الصفحة الرئسيّة مقالات متفرقة
روسيا والثورة الوطنية التحريرية اليونانية…

روسيا والثورة الوطنية التحريرية اليونانية

Illustration_1.jpgأولغا بترونينا، بروفيسورة حاصلة على شهادة دكتوراه في العلوم التاريخية

تحتفل اليونان هذا العام باليوبيل للحدث الأكبر في التاريخ اليوناني الحديث أي الذكرى المئوية الثانية لبداية ثورة التحرير الوطنية لعام 1821، والتي يتم يدعونها اليونانيون بالثورة العظمى.

تكمن أهمية هذه الثورة في نتيجتها التي وضعت دولة اليونان على خارطة أوروبا. فلم يكن لها وجود كدولة موّحدة قبل ذلك. ففي العصور القديمة لم يكن لدولة اليونان دولة واحدة  موحّدة، بل كان لديهم مدن متعددة ( بوليسيات). وتلك الإمبراطورية البيزنطية التي وُجدت في العصور الوسطى، كانت دولة متعددة الجنسيات وتعتبر نفسها وريثة روما القديمة. وما كان يوّحد هذه شعوبها هو إيمانهم الأورثوذكسي.

لفترة طويلة ، كانت المناطق التي يسكنها الإغريق تسمى اليونان. ولكن بعد غزو الأتراك لبيزنطة، عاش الإغريق لعدة قرون تحت حكم السلاطين وكانوا يحلمون بإحياء دولتهم المسيحية. كان بينهم الكثير من المتنبّئين على أن مملكتهم المسيحيّة ستبصر النور على طراف مضيق البوسفور بمساعدة "شعب الشمال القويّ الأشقر الشعر". في نهاية الحروب النابليونية، بدأ النشطاء اليونانيون في التحضير لانتفاضة، حينها تم إنشاء جمعية سريّة في مدينة أوديسا تدعى (الجمعية الأخوية) كانت تهيّء لانتفاضة ضد حكم السلطان. وكان على رأسها قائد الجيش الروسي ألكسندر إبسيلانتي، وهو من أصل يوناني. في نهاية شهر شباط من العام 1821، عبر القائد ومعه مجموعة صغيرة نهر بروت الحدودي وأشعل شعلة الانتفاضة اليونانية في مولدافيا. وبعد شهر، وصلت هذه الإنتفاضة إلى اليونان.

Illustration_2.jpg

لما يقرب من عشر سنوات ، قاتل الإغريق الشجعان من أجل حريتهم. لكن القوات كانت غير متكافئة للغاية. فلقد كانت موارد العديد من المناطق المتمردة العسكرية لا تضاهي بأي شكل من الأشكال موارد الإمبراطورية العثمانية الضخمة. لذلك، على الرغم من النجاحات التي لوحظت في البدايات، كان مصير الثورة اليونانية الفشل في غياب المساعدة الخارجية. في الوقت الحالي يقوم بعض السياسيين والشخصيات العامة اليونانية في إنكار المساعدة التي بذلتها كل من روسيا وإنجلترا وفرنسا في إنشاء دولة اليونان المستقلة. أحد أحدث الأمثلة عن هذا الإنكار هو تصريح من المطران كيريل اسقف ابيدوس ( حالياً متروبوليت كرينيس، إكسارخ مالطا) إلى موقع الأخبار الكنسي الشهير Romfea.gr. يعترف فيه بوجود حركة اجتماعية واسعة في روسيا لدعم الإغريق المتمردين، لكن ينفي وجود أي تحرّك رسمي روسي لدعم اليونان.

Illustration_3.jpg

لكن الأمر ليس كذلك. فتقريباً في نهاية فصل الربيع وبداية صيف عام 1821 قام المبعوث الروسي إلى ديوان السلطان العثماني (مقر الباب العالي)، الكونت غريغوري بتقديم مذكرة احتجاج على القمع والمذابح التي تمارس ضد الإغريق. حتى وصل الأمر إلى درجة اضطرار البعثة الروسية إلى مغادرة العاصمة العثمانية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين للتعبير عن الإستياء من هذه الممارسات. في نهاية عام 1823، كانت روسيا هي التي بدأت المشروع الدولي الأول لإنشاء إمارات مستقلة في اليونان، والمعروفة باسم خطة تاتيشيف. لكن في ذلك الحين لم يعتقد اليونانيون أن هذا كان كافياً. فلقد كانوا سعداء بنجاحاتهم. في عام 1821 تمكنوا من الحصول على موطئ قدم في البيلوبونيز، المركز السابق للثورة. كما تمكنوا من هزيمة الكتية التركية التي أرسلت لقمعهم في عام. 1822 وفي عام 1823 تأخر إرسال المحاربين الأتراك الجديد بسبب الثورة الإنكشارية في العاصمة. وخلال كل هذا الوقت، كانت الحركات الاجتماعية الداعمة للمتمرّدين اليونانيين تتوسع في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة في روسيا وفرنسا. حيث تم إنشاء لجان أهلية، وجمع الأموال لنصرة المسيحيين الذين وقعوا في الأسر، وتم تشكيل مفارز متطوعين لمساندة المتمردين اليونان في ثورتهم. ولربما لم تحصل أي أمّة أخرى على مثل هذا الدعم الشعبي الواسع النطاق كما حصل عليه الإغريق في ذلك الوقت.

Illustration_4.jpg

كل هذه الانتصارات المذكورة أعلاه كانت قد أعطت المتمردون اليونانيون ثقة زائفة في نصر وشيك. لدرجة أنهم أهملوا حقيقة أن العديد من القلاع في منطقة الانتفاضة كانت لا تزال في حماية الجنود الأتراك. وبين العامين 1824و1825، أدت الانقسامات السياسية في معسكر المتمردين اليونانيين إلى سلسلة من الحروب الأهلية. في هذه الأثناء، غير السلطان تكتيكاته واتجه إلى تابعه، حاكم مصر آنذاك، محمد علي باشا، طلباً المساعدة. في عام 1824، أوقع الأسطول التركي المصري سلسلة من الهزائم على المتمردين اليونانيين في البحر وقام بتأمين ممر بحري لنقل القوات إلى منطقة الانتفاضة.

في شباط 1825، بدأ إنزال القوات المصرية في شبه جزية البيلوبونيز. وبعد أن أضعفتهم الحروب الأهلية، لم يتمكن اليونانيون من مقاومة الجيش المصري المسلح والمنضبط بشكل كامل، والذي كان يقوده القائد العسكري إبراهيم باشا، نجل محمد علي. حينها قام العديد من المشاركين في الانتفاضة بالهرب بعد أن كسرتهم الهزائم، وقام السكان بقسم الولاء للسلطان بعد أن أنهكهم الجوع والمرض. وبحلول ربيع عام 1827، بقيت منطقة صغيرة فقط تقع في الشمال الشرقي من البيلوبونيز تحت سيطرة المتمردين اليونانيين.

كانت هذه أسوأ الأوقات في مصير الإغريق، حيث كان قمع ثورتهم حدثٌ شبه مؤكدٍ، ولا ينقذه سوى معجزة. على حد تعبير قائد القوات المتمردة، ثيودوروس كولوكوترونيس.

Illustration_5.jpg

وبالفعل حدثت المعجزة! ففي آذار 1827ـ اقترحت الأمبراطوريّة الروسية على إنجلترا وفرنسا إبرام اتفاقية بشأن المسألة اليونانية لإجبار السلطان العثماني على تقديم تنازلات ومنح الحكم الذاتي لليونانيين. وفقًا لهذه الاتفاقية، الموقعة في 24 حزيران 1827، أصبحت القوى الثلاث وسطاء في حل النزاع اليوناني التركي. وبغاية إجبار كلا الجانبين على احترام الهدنة خلال المفاوضات، تم إرسال قوات موحدة انكليزية فرنسيّة روسيّة إلى منطقة النزاع. في 8 تشرين الأول 1827، دمرت هذه القوات الأسطول التركي المصري المتمركز في خليج نافارينو، وقدمت روسيا العديد من البطولات بقيادة الأدميرال لوغين هايدن.

هذه المعركة، التي تُقام في ذكراها الاحتفالات سنويًا في نافارينو، غيرت بشكل جذري ميزان القوى. لكن مقر الباب العالي لم يقبل بأي شكل من الأشكال أي صيغة لاستقلال أو حكم ذاتي لليونان. تأكيداً لهذا، يشير كتاب التاريخ المدرسي للصف الثالث الإبتدائي في اليونان " أنه فقط وبعد هزيمة العثمانيين في الحرب الرّوسية التركية 1828-1829 أُجبرَ السلطان على التفاوض بشأن الاستقلال اليوناني". في 10 آذار 1829، وقعت كلّ من روسيا وإنجلترا وفرنسا بروتوكولًا يحدد شروط منح الحكم الذاتي لليونان، وأصر الممثلون الرّوس على توسيع قدر الإمكان حدود الدولة اليونانية التي كانت على وشك أن تبصر النور. ولعلّ التقدم السريع للقوات الروسية في صيف عام 1829 واحتلالها لأدريانوبل، حيث انفتح طريق مباشر إلى قلب الإمبراطورية العثمانية ، هو الذي أجبر السلطان العثماني قبول الشروط الروسية بشأن ترسيم الحدود اليونانيّة.

ألزمت المادة العاشرة من معاهدة أدريانوبل للسلام (1829)، التي أنهت الحرب الروسية التركية، السلطان العثماني بالاعتراف باتفاقية عام 1827 وبروتوكول مارس 1829. بعد بضعة أشهر، وتحديداً في 22 من شهر كانون الأول 1830، اعترفت كل من روسيا وإنجلترا وفرنسا باليونان كدولة مستقلة. كتب الكاتب الروسي الشهير بوشكين لاحقًا: "في عام 1829، كان انتباه أوروبا متّجهاً إلى أدريانوبل، هناك حيث تم تحديد مصير اليونان، الأمر الذي شغل عقول العالم المستنير بأكمله لمدة ثماني سنوات. أعيد إحياء اليونان، وأعادت القوّة القادمة من الشمال له استقلاله وأصالته".

Illustration_6.jpg

اليوم، وبعد مرور مئتي عام من تلك الأحداث، لا يسعنى سوى أن نذكر أن روسيا آوت اللاجئين اليونانيين الفارين من القمع التركي، ونذكر جهود البعثة الروسية في القسطنطينية لحماية السكان اليونانيين من المذابح، نذكر أيضاً نضال الدبلوماسيون الروس من أجل منح الحكم الذاتي والاستقلال لليونانيين، ونذكر المتطوعين الروس من الإخوة بيريزانسكي، الذين وصلت معهم مفرزة من 180 شخصًا إلى اليونان المتمردة، نذكر أيضاَ الضّابط الروسي نيكولاي رايكو، الذي أصبح قائد أوّل عاصمة لليونان المستقلة، ونذكر آلاف الجنود والضباط الروس الذين لقو حتفهم بين عامي 1828-1829 خلال الحرب مع الأتراك. وبالأخير نذكر أنه بدون مساعدة روسيا، لم تكن اليونان لتصبح دولة مستقلة. ونودُ أن يتذكر الإغريق هذا أيضًا.

كاتب المقالة
Olga Petrunina
تهنئة قداسة البطريرك كيريل لرئيس جمهوريّة مصر العربيّة بمناسبة عيد ميلاده السبعين

19.11.2024

قداسة البطريرك كيريل يعلّق للمتروبوليت أنطونيوس مطران فولوكولامسك وسام القدّيس دانيال أمير موسكو

24.10.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل إلى غبطة بطريرك يوحنّا العاشر بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بمناسبة عيد شفيعه

26.09.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل بمناسبة الذكرى الـ55 لتأسيس منظّمة التعاون الإسلاميّ

25.09.2024

تهنئة قداسة البطريرك كيريل لسيادة المتروبوليت نيفن (صيقلي) بمناسبة الذكرى 65 لكهنوته

22.09.2024

الاحتفالات بمناسبة مرور 300 عام على نقل رفات القدّيس الأمير ألكسندر نيفسكي إلى سانت بطرسبورغ برئاسة قداسة بطريرك موسكو وسائر روسيا

12.09.2024

لقاء قداسة البطريرك كيريل والوفد الرهبانيّ من الكنيسة القبطيّة

27.08.2024

صلاة الغروب وصلاة السحر في عشيّة عيد رقاد السيّدة في كاتدرائيّة المسيح المخلّص بموسكو برئاسة قداسة البطريرك كيريل

27.08.2024

البطريرك مار آوا الثالث: "إنّ أعمال السلطات الأوكرانيّة هي فوضى دينيّة ضدّ المسيحيّين الأرثوذكس في البلد"

24.07.2024

القدّاس الاحتفاليّ في يوم تذكار القدّيس سرجيوس رادونيج برئاسة قداسة البطريرك كيريل في دير لافرا الثالوث القدّوس

18.07.2024

بطريرك موسكو وسائر روسيا يقوم بصلاة الشكر بمناسبة تنصيب الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين

07.05.2024

تهاني قداسة البطريرك كيريل إلى رؤساء الكنائس الشرقيّة القديمة المحتفلين بعيد الفصح في الخامس من أيار

05.05.2024

رسالة قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا إلى أساقفة وكهنة وشمامسة ورهبان وراهبات وأبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بمناسبة عيد الفصح المجيد

04.05.2024

رسالة قداسة البطريرك كيريل لرئيس الكنيسة السريانيّة بمناسبة الذكرى العاشرة لانتخابه بطريركاً

31.03.2024

تعزيّة قداسة البطريرك كيريل بمقتل رهبان دير القدّيس أبو الكبير بأثيوبية

24.02.2024

موافقة المجمع المقدّس على تشكيل وفد الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في الاجتماع الثالث عشر للجنة الروسيّة الإيرانيّة للحوار "الأرثوذكسيّة - الإسلام"

24.10.2024

قداسة البطريرك كيريل يعلّق للمتروبوليت أنطونيوس مطران فولوكولامسك وسام القدّيس دانيال أمير موسكو

24.10.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو يهنّئ بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بمناسبة عيد شفيعه

26.09.2024

لقاء رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة مع وفد المجلس الروحانيّ الإيزيديّ الأعلى

18.09.2024

المتروبوليت أنطونيوس يشارك في عيد معتمديّة بطريركيّة أنطاكيّة بموسكو

26.07.2024

لقاء بين المتروبوليت أنطونيوس وسفير الجمهوريّة العربيّة السوريّة في روسيا الاتّحاديّة

22.07.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو يلتقي بوفد من لبنان

22.07.2024

المتروبوليت أنطونيوس يلتقي بمطارنة الكنيسة الأرثوذكسيّة القبرصيّة

20.05.2024

بطريرك موسكو وسائر روسيا يقوم بصلاة الشكر بمناسبة تنصيب الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين

07.05.2024

المتروبوليت أنطونيوس يقوم بزيارة حجّ إلى الجليل

04.04.2024

انتهاء زيارة رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو إلى لبنان

11.03.2024

تكريس كنيسة بشارة السيّدة في جلّ الديب لإقامة الخدم الكنسيّة للجاليّة الروسيّة بلبنان

10.03.2024

رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة يزور مطرانية جبل لبنان

10.03.2024

المتروبوليت أنطونيوس يزور دير سيّدة حماطورة في لبنان

09.03.2024

ابتداء زيارة عمل لرئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو إلى لبنان

09.03.2024

ملاحظات

الحقول المحددة * مطلوب التعبئة

أرسل الطلب
Рус Укр Eng Deu Ελλ Fra Ita Бълг ქარ Срп Rom عرب