Главна страница Документи Арабский
دحض لتحريف تعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة البارز في تصّرفا…

دحض لتحريف تعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة البارز في تصّرفات قادة بطريركيّة القسطنطينيّة وكلمات ممثّليها

تمّت الموافقة على هذا المستند أثناء اجتماع أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسّية المنعقد في 19 تمّوز 2023.

دحض لتحريف تعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة البارز في تصّرفات قادة بطريركيّة القسطنطينيّة وكلمات ممثّليها

تمّت الموافقة على هذا المستند أثناء اجتماع أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسّية المنعقد في 19 تمّوز 2023.

بعد أن اجتمعنا، نحن أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، للصلاة المشتركة والتباحث الأخويّ في ظلّ الروح القدس – عند ذخائر القدّيس سرجيوس رادونيج في كنيسة الثالوث القدّوس القديمة التي أسّسها في دير لافرا الثالوث القدّوس – وجدنا أنّه لا يمكننا الصمت حيال الانقسام المحزن الذي يحدث اليوم في العالم الأرثوذكسيّ، والحاصل نتيجةً للأفعال الخاطئة لبطريركيّة القسطنطينيّة والتعاليم الجديدة التي ينشرها رئيسها وممثّلوها الرسميّون. لهذا، اعتبرنا أنّه من واجبنا رفع صوتنا دفاعًا عن تعليم الكنيسة الأرثوذكسيّة، مع الدعاء لأبنائنا المحبّين لله، وكذلك لإخوتنا الأساقفة في العالم الأرثوذكسيّ بأكمله.

فبالإضافة إلى الأعمال غير القانونيّة التي اقترفها أساقفة القسطنطينيّة في أوكرانيا، والتي قسمت العائلة الأرثوذكسيّة العالميّة، هناك انحرافات في عقيدة الكنيسة المقدّسة، وأخذ مسؤولي الكنسيّة في زرعها بقوّة، بهدف تقويض الأسس القانونيّة القائمة في الأرثوذكسيّة. إنّ المفهوم الجديد لأولويّة بطريرك القسطنطينيّة، الذي يُقدّمه كرئيس أرضيّ أعلى للكنيسة الجامعة، يمنحه حقوقًا وامتيازات تتعدّى حدود حقوق أي رئيس آخر للكنيسة الأرثوذكسيّة المحلّيّة، وتنتهك الحقوق القانونيّة للكنائس الأخرى.

عام 2008، لخّص مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، في تعريفه عن "وحدة الكنيسة"، الموضوعات الرئيسيّة للمفهوم الكنسيّ الجديد لممثّلي كنيسة القسطنطينيّة، مشيرًا إلى أنّ هذا المفهوم مصدره القوانين الفرديّة (أوّلًا في 9 و17 و28 قانون المجمع المسكونيّ الرابع)، والتي لا تدعمه الكنيسة الأرثوذكسيّة بأكملها، بل ويصبح تحدّيًا للوحدة الأرثوذكسيّة الجامعة.

وبحسب هذا المفهوم، 

1.    لا تنتمي الكنيسة المحلّيّة إلى الأرثوذكسيّة العالميّة إلّا إذا كانت لديها شركة مع الكرسيّ القسطنطينيّ.

2.     لبطريركيّة القسطنطينيّة الحقّ الحصريّ في الأولويّة الكنسيّة في جميع بلدان الشتات الأرثوذكسيّ.

3.     في هذه البلدان، تمثّل بطريركيّة القسطنطينيّة، بشكل فرديّ، آراء ومصالح جميع الكنائس المحلّيّة أمام سلطات الدولة.

4.    كلّ أسقف أو كاهن يخدم خارج المنطقة القانونيّة لكنيسته المحلّيّة يخضع للولايّة القضائيّة للكنسيّة القسطنطينيّة، حتّى لو لم يعلم هو نفسه بذلك. وبالتالي، إذا رغب، يمكن قبوله في هذه الولايّة القضائيّة دون الحاجة إلى بيان وضعٍ.

5.    تحدّد بطريركيّة القسطنطينيّة الحدود الجغرافيّة للكنائس، وإذا كان رأيها لا يتطابق مع رأي إحدى الكنائس في مسألة معيّنة، فيمكنها، حينئذ، أن تقيم ولايتها القضائيّة على أراضي هذه الكنيسة.

6.    تنفرد بطريركيّة القسطنطينيّة في تحديد مشاركة أي كنيسة محلّيّة مستقلّة، أو عدم مشاركتها، في الأحداث الأرثوذكسيّة.

وأشار الأساقفة المجتمعون إلى أنّ هذه الرؤية لبطريركيّة القسطنطينيّة بشأن حقوقها وصلاحيّاتها تتعارض، بشكل سافر، مع التقليد القانونيّ الذي يعود تاريخه إلى قرون غابرة، والذي يؤسّس وجود الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والكنائس المحلّيّة الأخرى. وشدّد المجمع الروسيّ المقدّس على أنّ جميع القضايا المذكورة لا يمكن أن تحظى بالموافقة النهائيّة إلّا من خلال مجمع مسكونيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة. هذا، وقد كان الأساقفة قد دعوا كنيسة القسطنطينيّة، قبل النقاش الأرثوذكسيّ الشامل حول المستجدّات المذكورة، إلى التزام الحذر والامتناع عن اتّخاذ خطوات قد تساهم في تمزيق الوحدة الأرثوذكسيّة. وينطبق هذا، بشكل خاصّ، على محاولات مراجعة الحدود القانونيّة للكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة.

كما أضيفت، حاليًّا، إلى مطالبات القسطنطينيّة التي أشار إليها مجلس الأساقفة في العام 2008 مطالبات جديدة، وهي:

1.    يصرّ بطريرك القسطنطينيّة على التمسّك بحقّه في النظر في الطعون المقدّمة ضدّ قرارات محكمة أي كنيسة أرثوذكسيّة محلّيّة أخرى، واتّخاذه القرار النهائيّ بشأنها.

2.    يعتبر بطريرك القسطنطينيّة أنّ من حقّه التدخّل في الشؤون الداخليّة لأي كنيسة أرثوذكسيّة محلّيّة إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

3.    يعلن بطريرك القسطنطينيّة أنّ لديه سلطة إلغاء الحرم القانونيّ المفروض في الكنائس المحلّيّة الأخرى على الأشخاص الذين فقدوا رتبتهم الأسقفيّة بسبب الانحراف من أجل "إعادة الرتبة".

4.    علاوة على ذلك، فإنّ الأشخاص الذين ليست لهم رتبة أسقفيّة قانونيّة (على سبيل المثال، الذين تمّت رسامتهم من قبل أسقف مجرَّد من رتبته يدّعي أسقفيّته وشمّاس سابق) يتمّ "إعادتهم" إلى الرتبة بقرار من بطريرك القسطنطينيّة.

5.    يعتبر بطريرك القسطنطينيّة أنّ له الحقّ في قبول كهنة من أبرشيّات أي كنائس محلّيّة في ولايته القانونيّة دون بيان وضع.

6.    لبطريرك القسطنطينيّة الحقّ الحصريّ للمبادرة في انعقاد المجامع الأرثوذكسيّة وغيرها من الحقوق أو القرارات بشأن الأحداث الأرثوذكسيّة الهامّة.

7.    أخيرًا، (وخلافًا للاتّفاقيّات الأرثوذكسيّة التي تمّ قبولها أثناء التحضير للمجمع المقدّس الكبير للكنيسة الأرثوذكسيّة، والتي تنصّ على أنّ منح الاستقلال الذاتيّ لأيّ كنيسة محلّيّة لا يمكن تحقيقه إلّا بموافقة جميع الكنائس المحلّيّة المعترف بها عمومًا)، يعلن بطريرك القسطنطينيّة حقّه الحصري في إعلان استقلال الكنائس المحلّيّة الجديدة، بما في ذلك تلك التي لا تقع ضمن سلطة كنيسة القسطنطينيّة، ودون موافقة رؤساء ومجالس الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى. ويتمّ، في الوقت نفسه، تفسير مفهوم الاستقلال الذاتيّ بطريقة تجعله يعني، في الواقع، خضوع الكنيسة المستقلّة لبطريركيّة القسطنطينيّة.

8.    أدت الانحرافات المدرجة في الكنيسة الأرثوذكسيّة عند ترجمتها من المستوى النظريّ إلى المستوى العمليّ إلى أزمة عميقة في الأرثوذكسيّة العالميّة وكان سببها المباشر غزو بطريركيّة القسطنطينيّة لأوكرانيا. حظي العمل غير القانونيّ والإجراميّ، والذي يتحمّل بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس المسؤوليّة الشخصيّة عنه، بالتقييم المناسب المقدَّم في بيانات المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بتاريخ 14 أيلول و15 تشرين الأوّل لعام 2018، و26 شباط لعام 2019، وكذلك في قرارات المجمع المقدّس بتاريخ 28 كانون الأوّل لعام 2018 (المستند رقم 98) و4 نيسان لعام 2019 (المستند رقم 21).

قيّم مجمع الكنيسة الروسيّة المقدّس تقييمًا قانونيًّا في 23-24 أيلول للعام 2021 زيارة البطريرك برثلماوس إلى كييف التي جرت في 20-24 من شهر آب عام 2021. يشير هذا التقييم إلى أنّ: "وصول بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس، مع الوفد المرافق له، إلى كييف من دون دعوة بطريرك موسكو وسائر روسيا والمتروبوليت أونوفريوس مطران كييف وسائر أوكرانيا والأساقفة القانونيّين للكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة هو انتهاك صارخ لقوانين الكنيسة المقدّسة، وعلى وجه الخصوص القانون الثالث لمجمع سرديكا وقوانين المجمع الأنطاكيّ الثلاثة عشر" (المستند رقم 60). من بين الزيارات المخالفة للقانون الكنسيّ التي قام بها البطريرك برثلماوس مؤخَّرًا، زيارته إلى ليتوانيا في 20-23 آذار وإستونيا في 16-20 حزيران لعام 2023.

غير أنّ، محاولات القسطنطينيّة لإقناع جميع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة بصلاحيّة الإجراءات التي اتّخذتها لم تحقّق النتائج المتوقَّعة.

ومع ذلك، فقد قام بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس بأعمال جديدة مخالفة للقانون، وبخاصّة لقائه مع رئيس وزراء جمهوريّة ليتوانيا في فيلنيوس في 21 آذار من العام 2023، حيث أعلن: "ينفتح، اليوم، أمامنا منظور جديد وفرصة عمل لإنشاء إكسارخوسيّة البطريركيّة المسكونية في ليتوانيا"[1]. وتجدر الإشارة إلى أنّ غزوًا آخر للأراضي القانونيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة يتمّ التحضير له.

بما أنّ أعمال القسطنطينيّة غير القانونيّة مستمرّة، وكذلك تطوّر الأفكار المشوّهة لتعليم الكنيسة الأرثوذكسيّة، فإنّنا نعتبر أنّه من واجبنا تذكير رعايانا بالمبادئ الأساسيّة التي بُنيت عليها الإكليسيولوجيا الأرثوذكسيّة على مرّ القرون، وأن نشهد للأرثوذكسيّة الجامعة بإخلاصنا الثابت لهذه المبادئ. إنّ الانتهاك الذي قام به بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس أصبح سبب الانشقاق في الأرثوذكسيّة العالميّة.

1.    مطالبات بطريرك القسطنطينيّة بأولويّة سلطته على الكنيسة الجامعة

لقد أسّس ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح نفسه الكنيسة على الأرض. إنّها بجوهرها تجمع المؤمنين بالمسيح، الذي يدعو الجميع للدخول فيها. فإنّ الكنيسة ليست جماعة بشريّة عاديّة، بل يحضر فيها ويعمل الروح القدس.

الكنيسة هي جماعة إلهيّة وبشريّة معًا، هي جسد المسيح السرّيّ، كما يقول عنها الرسول بولس: "مبَارَكٌ ٱللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ... وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلَأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ (أفسس 1: 3، 22-23). تشير صورة الجسد إلى وحدة جميع أعضاء الكنيسة تحت رأس واحد أي الربّ يسوع المسيح "وهو رأس الكنيسة" (كولوسي 1: 18).

إنّ هدف الأساس لوجود الكنيسة هو خلاص الناس والعالم أجمع، والذي لا يمكن العثور عليه إلّا في كنيسة المسيح. وكما يقول الشهيد كبريانوس القرطاجيّ: "لا يستطيع أن يكون الله أبًا لمن لا تكون له الكنيسة أُمًّا"[2].

يشير دستور الإيمان إلى أربع خصائص أساسيّة للكنيسة وهي التفرّد والقداسة والمجمعيّة والرسوليّة.

فالكنيسة واحدة، لأنّ الإله واحد. الكنيسة فريدة ومتّحدة، لأنّها توحّد المؤمنين من خلال وحدة الإيمان والمعموديّة وعطيّة الروح القدس والشركة الإفخارستيّة مع الربّ يسوع المسيح. الكنيسة لا تتجزّأ: "حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة"[3]، "حيث يكون الروح القدس هناك تكون الكنيسة"[4].

الكنيسة مقدّسة، لأنّ رأسها مقدّس – يسوع المسيح، وأعضاء الكنيسة يشتركون في قداسته.

الكنيسة جامعة (كاثوليكيّة)، لأنّها منتشرة في جميع أنحاء العالم، ومفتوحة للمؤمنين بغضّ النظر عن الزمان والمكان والأصل والوضع الاجتماعيّ للذين يريدون الانضمام إليها. وتنعكس مجمعيّة الكنيسة في التواصل بين الكنائس المحلّيّة التي تشكل الكنيسة الجامعة. فإنّ أساقفة الكنائس المحلّيّة، رغم اختلاف ألقابهم، متساوون في الدرجة الكهنوتيّة الذاتيّة. وبما أنّ كلّ أسقف نال من الروح القدس نعمة متساويّة مع الأساقفة الآخرين، فإنّ كرامة جميع الأساقفة متساويّة: "لا يُدعى أسقف الكرسيّ الأوّل إكسارخوس (أمير) الكهنة أو رئيس الكهنة" (48 قانون مجمع قرطاجة). وعلى هذا، فإعطاء أي أسقف أهمّيّة مميّزة بالمعنى السرّيّ أو اللّاهوتيّ هو تشويه لمبدأ المجمعيّة.

إنّ الخاصيّة المجمعيّة لا تستثني خدمة الأولويّة. ويشرح مستند "موقف بطريركيّة موسكو إزاء مسألة الأولويّة في الكنيسة الجامعة"، الذي تبنّاه المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة العام 2013، ويقول: "تعود الأولويّة في كلّ شيء في كنيسة المسيح المقدّسة إلى الرأس، إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح ابن الله وابن الإنسان". وينصّ المستند على أنّ استبدال أولويّة الشرف التقليديّة والمبرّرة قانونيًّا لبطريركيّة القسطنطينيّة بعقيدة أوليّة السلطة التي يزعم أنّها تنتمي إليها، لها ما يبرّرها من خلال النقل غير القانونيّ للسلطة من مستوى الأسقفيّة إلى مستوى الكنيسة الجامعة، في حين أنّ الأولويّة على مستويات مختلفة من حياة الكنيسة لها طبيعة مختلفة ومصادر مختلفة. هذه المستويات هي: أ) الأسقفيّة أو الأبرشيّة، ب) الكنيسة المحلّيّة المستقلّة، ج) الكنيسة الجامعة.

فعلى مستوى الأبرشيّة، تنسب الأولويّة للأسقف. مصدر أولويّة الأسقف في أبرشيّته هي الخلافة الرسوليّة، والتي يتمّ نقلها من خلال الرسامة. في رتبته الكنسيّة، يتمتّع الأسقف بالسلطة الكاملة: السرّيّة والإداريّة والتعليميّة.

وعلى مستوى الكنيسة المحلّيّة المستقلّة، تعود الأولويّة للأسقف الذي يُنتخب رئيسًا للكنيسة المحلّيّة عبر مجلس أساقفتها. فمصدر الأولويّة على مستوى الكنيسة المستقلّة هو انتخاب الأسقف الرئيسيّ من قبل المجمع الذي يتمتّع بسلطة كنسيّة كاملة. رئيس الكنيسة المحلّيّة المستقلّة هو الأوّل بين الأساقفة المتساوين، كما جاء في القانون الرسوليّ (٣٤) إنّ أساقفة كلّ أمّة يجب أن يعرفوا الأوّل فيهم ويعتبروه رئيسًا لهم ولا يُقدموا على أمر خطير من دون رأيه، بل ليدبّر كلّ أسقف منهم شؤون أبرشيّته الخاصّة. ولا يُقدم الأوّل على شيء من دون مشورة الجميع، وبذلك يتمّ اجتماع الرأي ويتمجّد الله الآب بالابن في الروح القدس"

يحدّد المجمع صلاحيّات رئيس الكنيسة المنصوص عليها في المستند المقبول من المجمع. لا يتمتّع رئيس الكنيسة المحلّيّة المستقلّة بالسلطة الوحيدة فيها، بل يحكمها بشكل مجمعيّ، أي بالتعاون مع الأساقفة الآخرين.

أمّا على مستوى الكنيسة الجامعة، فهي كمجتمع يضمّ الكنائس المحلّيّة المستقلّة، وتتحدّد الأولويّة وفقًا لتقليد الذبتيخا المقدّسة وهي أولويّة شرفية. فمصدر الأولويّة الشرفية على مستوى الكنيسة الجامعة هو التقليد القانونيّ للكنيسة، المسجَّل في الذبتيخا المقدّسة والمعترَف به من قبل جميع الكنائس المحلّيّة المستقلّة. إنّ القوانين الكنسيّة التي تقوم عليها الذبتيخا المقدّسة لا تمنح الأسقف أعلى درجات الشرف بأي صلاحيّات السلطة على نطاق الكنيسة الجامعة [5].

لعدّة قرون، دافع بطاركة القسطنطينيّة أنفسهم عن هذا المفهوم، وخاصّة، متحدّين مطالبات البابا بالولايّة العالميّة. ومع ذلك، يصرّح، الآن، أحد اللّاهوتيّين البارزين في بطريركيّة القسطنطينيّة معلنًا بأنّ: "ظاهرة مناهضة البابويّة، والتي تُفهم على أنّها إنكار الأوّل في الكنيسة الجامعة... هي، بالمعنى الدقيق للكلمة، هرطقة... فحقيقة أنّ الكنائس الأرثوذكسيّة اليوم ترفض الاعتراف فيما بينها بأي نوع من الأولويّة (كتلك التي لروما) والتي هي المشكلة الأساسية في حوارهم مع روما"[6].

في الوقت الحاضر، قامت بطريركيّة القسطنطينيّة بتطوير وتنفيذ رؤية جديدة للأولويّة على مستوى الكنيسة الجامعة. لا يُعتبر بطريرك القسطنطينيّة أنّه "الأوّل بين متساوين"، بل على أنّه "الأوّل دون متساوين"[7]. كأنّ أولويّته في الكنيسة الجامعة تشبه أولويّة الله الآب في الثالوث القدّوس [8]. ومن المفترض أنّه "الأب الروحيّ لجميع الناس، سواء فهموا ذلك أم لا"[9]. ويتمّ اعتبار الكنائس المحلّيّة الأخرى على أنّها تضمّ كنيسة واحدة بسبب شركتها مع القسطنطينيّة [10].

تُعرَّف السلطات الخاصّة لبطريرك القسطنطينيّة بأنّها نابعة عن بعض الامتيازات غير المعروفة حتّى الآن، والتي تسلّمها، على نحو ما، من الرسل أنفسهم. [11]. إنّ حق التحدّث نيابة عن الأرثوذكسيّة الشاملة جاء تلقائيًّا من المنصب الذي يتولّاه بطريرك القسطنطينيّة، وليس بموجب النقاش الأرثوذكسيّ الجامع للكنائس المحلّيّة [12].

في الكلام الرسميّ لرئيس بطريركيّة القسطنطينيّة الحاليّ، تتساوى الكنيسة المحلّيّة مع الأرثوذكسيّة المسكونيّة. وهكذا، ففي كلمته في فيلنيوس في الثاني والعشرين من شهر آذار 2023، قال البطريرك برثلماوس: "هل ستستمرّ الأرثوذكسيّة في الاسترشاد روحيًّا بمصدرها وحاميها ومركزها التقليديّ والتاريخيّ بطريركيّة القسطنطينيّة المسكونيّة؟ هذا سؤال أساسي يحدّد طبيعة الأرثوذكسيّة وهويّتها ووجودها" [13].

ويؤكّد البطريرك برثلماوس بأنّ "البطريركيّة المسكونيّة هي بالنسبة للأرثوذكسيّة بمثابة خميرة تخمّر العجين كلّه (غلاطية 5: 9) للكنيسة وللتاريخ"، فإنّ بطريركيّة القسطنطينيّة "تجسّد العرق الكنسيّ الحقيقيّ للأرثوذكسيّة: "في البدء كان الكلمة... فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يوحنّا 1:1,4). فيقولون إنّ بدايّة الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة هي البطريركيّة المسكونيّة، "وفيها الحياة، والحياة هي نور الكنائس" [14].

مشيرًا، بذلك، إلى تصريح متروبوليت غورتين وأركاديا المغبوط كيريل بأنّ "الأرثوذكسيّة لا يمكن أن توجد من دون البطريركيّة المسكونيّة". ولهذا، يعلن البطريرك برثلماوس أنّه "يجب على كلّ واحد منّا أن يكون متّحدًا بشكل أقوى مع الأوّل بيننا، لكي نشرب من النبع الأعمق الذي مصدره أمّتنا التقيّة والإيمان الطاهر".

وجاء في بيان الأساقفة المجتمعين بأنّ "البطريركيّة المسكونيّة تتحمّل مسؤوليّة إعادة الأمور إلى النظام الكنسيّ والقانونيّ، لأنّها وحدها تتمتّع بالامتياز القانونيّ، وكذلك بصلاة الكنيسة والمجامع المسكونيّة وبركتهم للقيام بهذا الواجب الأسمى والحصريّ كأمّ الكنائس الحنونة". إذا تخلّت البطريركيّة المسكونيّة عن مسؤوليّتها وخرجت من المحيط الأرثوذكسيّ، تصبح الكنائس المحلّيّة "كغنم لا راعي لها" (متّى 9:36)، وتهدر قوّاتها في المبادرات الكنسيّة التي يمتزج فيها تواضع الإيمان بغطرسة القوّة"[15].

وبحسب كلام البطريرك برثلماوس، فإنّ التعليم عن المساواة بين قادة الكنائس الأرثوذكسيّة هو تشويه للإكليسيولوجيا الأرثوذكسيّة. لذا، بات من الضروريّ تحذير أساقفة كنيسة القسطنطينيّة من أنّ: "دون الاعتراف بالمسؤوليّة الفدائيّة التي لا يمكن تعويضها لبطريرك القسطنطينية بين الأرثوذكس، لا يمكن للإكليسيولوجيا أن تكون سليمةً ولا أن تتوافق، بأي حال من الأحوال، مع طريقة تفكير وروح الآباء الذين سبقونا، سيّان هنا أو في أماكن أخرى. فأنت تخدم الإكليسيولوجيّة الحقيقيّة دون تغييرها وبعيدًا عن التشويه المحزن الذي يقول إنّنا جميعًا متساوون. إذًا، الأوّل، بطريرك القسطنطينيّة، موجود وببساطة "من أجل أولويّة الشرف".

ويضيف البيان: "نعم، نحن متساوون، ولدينا نفس الرتبة الأسقفيّة، ولكن بحسب أساس الشرائع والتقاليد القديمة، حصلنا على امتيازات أخرى ذات أهمّيّة أساسيّة وفريدة من نوعها في طبيعتها، والتي لا نريد أن نرفضها بأي حال من الأحوال 16]].

يعلن البطريرك برثلماوس بصراحة أنّ بطاركة القسطنطينيّة لديهم الحقّ المميّز في التدخّل في الشؤون الداخليّة، بمبادرة منهم، لأيّ كنيسة محلّيّة بشأن قضيّة ما، أي لتقييم أو إلغاء أو مراجعة أعمال رؤساء الكنائس المستقلّة، إذا اعترفت بها القسطنطينية على أنّها "غير كافية أو غير صالحة". ويقول بهذا الصدد: "لا يتعلّق الأمر، فقط، بالعقائد أو التقاليد المقدّسة أو مواقف الكنيسة القانونيّة أو القضايا العامّة المتعلّقة بجسد الكنيسة بأكمله، وإنّما، أيضًا، بجميع قضايا إحدى الكنائس المحلّيّة المهمّة نسبيًّا، فلن تتوانى، عندئذ، كنيسة المسيح العظمى (أي القسطنطينيّة) عن الوصاية والرعاية والدعم. وهذا ما حدث، أحيانًا، بمبادرة منها وبسبب الشعور بواجب الكنيسة المسكونيّة، وأحيانًا بناءً على طلب الجوانب المعنيّة، حيث قدّمت مساهمتها الفعّالة كحكم في حلّ النزاعات التي تنشأ بين كنائس الله المقدّسة، وفضّ الخلافات بين الرعاة والقطيع، للتخلّص من الصعوبات الإضافيّة وإعادة شؤون الكنيسة إلى مسارها القانونيّ، ولتعزيز الإجراءات غير الكافية، في بعض الأحيان، للقادة الروحيّين للكنائس الفرديّة، ولدعم الضعفاء والمتردّدين وضحايا المؤامرات في الأرثوذكسيّة. وباختصار، لدرء الأخطار المادّيّة التي تهدّد سلامة تلك الكنائس المقدّسة"[17]. وعلى هذا، فإنّ قطع أي كنيسة محلّيّة الشركة مع بطريركيّة القسطنطينيّة يُعتبر على أنّه ابتعاد هذه الأخيرة عن الأرثوذكسيّة الجامعة: "إنّ من يهدّد بقطع الشركة الإفخاريستيّة مع البطريركيّة المسكونيّة يحرم نفسه ويقطعها من جذع شجرة الكنيسة الأرثوذكسيّة"[18].

وإذ تحّل بطريركيّة القسطنطينيّة الصلاحيّات الحصريّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة، فإنّها لا تعتبر نفسها ملزمة باتّباع قرارات حتّى المجامع التي تعقدها هي نفسها. وهكذا، قرّر مجمع بطريركيّة القسطنطينيّة في العام 2018 إمكانيّة الزواج الثاني للكهنة تحت شروط معيّنة. يتعارض هذا القرار، بشكل واضح، مع وثيقة "سرّ الزواج وعوائقه" المعتمدة في المجمع الكريتيّ، والتي أعلنت فيه بطريركيّة القسطنطينيّة وجوب التزام الكنائس المحلّيّة بقراراته رغم أنّها رفضت المشاركة فيه.

إنّ هذا المفهوم للأولويّة في الكنيسة المسكونيّة ومكانة بطريرك القسطنطينيّة في عائلة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة يتناقض، بشكل جذريّ، مع تقليد الكنيسة الأرثوذكسيّة. كما ترفضه، بشكل قاطع، الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، التي تظلّ أمينة لحرف وروح قوانين الكنيسة الأرثوذكسيّة.

إنّ تقليد الآباء القدّيسين والتعليم الأرثوذكسيّ حول الكنيسة يؤكّدان المساواة بين قادة كنائس الله المقدّسة، ولا يمنحان الأوّل منهم أي صلاحيّات مميّزة للسلطة. وقد شهد على هذا أصحاب القداسة البطاركة الشرقيّين، عبر التاريخ، بمن فيهم بطاركة القسطنطينيّة أنفسهم.

شدّد بطريرك القسطنطينيّة يوحنّا العاشر (كاماتير) (1198-1206) في رسالة إلى إينوكنديوس بابا روما على أنّ كنيسة روما لا يمكن أن تكون أُمًّا للكنائس الأخرى، لأنّ "هناك خمس كنائس عظيمة، تُكرَّم بالكرامة البطريركيّة، وهي [كنيسة روما] الأولى بين الأخوات المحترمات المتساويات". "فيما يتعلّق بهذه العروش العظيمة، نعتقد أنّ كنيسة روما هي الأولى في الترتيب، فقط، ولا تحظى بالتكريم إلّا بفضل هذه الكرامة وحدها، أي كونها الأولى بالنسبة للكنائس الأخرى كأخوات متساويات في الشرف والمولودة من الآب السماويّ المشترك"فمنه تستمدّ كلّ أسرة اسمها في السماء والأرض" (أفسس 3: 15)، وأمّا أنّها معلّمة وأُمّ [لكنائس] أخرى، فلا نعلم شيئًا عن هذا حتّى الآن"[19].

إنّ اعتراف إيمان بطريرك الإسكندريّة ميتروفانس كيريتكوبولوس في العام 1623، والذي دعمه كلّ من البطاركة: إرميا الأوّل بطريرك القسطنطينيّة، وأثناسيوس الخامس بطريرك أنطاكيّة، وخريسانثوس بطريرك القدس والعديد من أساقفة كنيسة القسطنطينيّة، يحدّد: "بين البطاركة الأربعة هناك مساواة تليق بالرعاة المسيحيّين. ولا أحد منهم يرفع نفسه فوق الآخرين، ولا أحد منهم يعتبر نفسه، على الإطلاق، مستحقًّا لأن يُدعى رأس الكنيسة الكاثوليكيّة... لأنّ الرأس لهذه الكنيسة هو الربّ يسوع المسيح نفسه "الذي هو الرأس الذي منه كلّ الجسد مركّبًا ومقترنًا بمؤازرة كلّ مفصل حسب عمل على قياس كلّ جزء يحصّل نموّ الجسد لبنيانه في المحبّة" (أفسس 4: 16). وبناء على هذا، فإنّ أصحاب الغبطة بطاركة الكنيسة الكاثوليكيّة الأربعة القدّيسين، خلفاء الرسل وأبطال الحقّ، لا يطلقون على أحد اسم رأس على الإطلاق، مكتفين بالرأس الناطق الإله والقدير الجالس عن يمين الآب والمشرف على الجميع. وهكذا، يعاملون بعضهم البعض على قدم المساواة في سائر الأشياء. وبصرف النظر عن الكرسيّ، لا يوجد فرق آخر بينهم، فترأس القسطنطينيّة فالإسكندريّة فأنطاكيّة فأورشليم"[20].

رفضًا لدعوة البابا لحضور المجمع الفاتيكانيّ الأوّل، كتب بطريرك القسطنطينيّة غريغوريوس السادس في العام 1868: "لا يمكننا أن نقبل بوجود أسقف ورئيس معيّن في كنيسة المسيح كلّها إلّا الربّ، أو أنّ هناك بطريركًا معيّنًا متكلّمًا من الكرسيّ والمجلس المسكونيّ الأعلى. أو أنّ الرسل لم يكونوا متساوين. أفكار كهذه هي إهانة للروح القدس الذي أنار جميع الرسل القدّيسين بالتساوي؛ ولا نقبل الفكرة القائلة بأنّ هذا البطريرك أو ذاك البابا كانت لهما أقدميّة العرش لا من المجمع ولا من الشعب، بل بحسب القانون الإلهيّ"[21].

في العام 1894، أكّد بطريرك القسطنطينيّة أنثيموس السابع في رسالة إلى البابا لاون الثالث عشر على المساواة بين الرؤساء والكنائس المحلّيّة: "إنّ الآباء الإلهيّين، يكرّمون أسقف روما، فقط، لاعتباره أسقف المدينة الحاكمة للإمبراطوريّة، لذلك مُنح الامتياز الفخريّ للرئاسة، معتبرين إيّاه، ببساطة، الأوّل بين الأساقفة الآخرين، أي الأوّل بين المتساوين، وهو الامتياز، عينه، الذي مُنح لاحقًا لأسقف مدينة القسطنطينيّة عندما أصبحت تحكم في عهد الإمبراطوريّة الرومانيّة...وكانت كلّ كنيسة مستقلّة تمامًا في الشرق والغرب تحكم نفسها خلال فترة المجامع المسكونيّة السبعة... ولم يكن لأسقف روما الحقّ في التدخّل، إذ كان، هو نفسه، خاضعًا لقرارات المجامع"[22].

عرف تاريخ الكنيسة حالات كثيرة ابتدع فيها أسقف القسطنطينيّة هرطقة أو انشقاقًا أو شارك فيهما. نذكر، على وجه الخصوص، يوسابيوس أسقف القسطنطينيّة الداعم لهرطقة أريوس، ومقدونيوسوس الأوّل أسقف القسطنطينيّة الذي أنكر إلوهيّة الروح القدس. وكان أسقف القسطنطينيّة نسطوريوس مهرطقًا عزله المجمع المسكونيّ الثالث وحرمه من الكنيسة. وكان بطاركة القسطنطينيّة سرجيوس الأوّل وبيروس وبولس الثاني وبطرس من المونوثيليّين، وأمّا البطاركة أناستاسيوس وقسطنطينوس الثاني ونيكيتا الأوّل وثيودوتوس كاسيتيرا وأنطونيوس الأوّل كاسيماتا ويوحنّا السابع فعُرفوا كمحاربي الأيقونات. وكذلك كان البطريركان ميتروفانوس الثاني وغريغوريوس الثالث مامّا متّحدين مع روما.

لا يتمّ تحديد الانتماء إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة من خلال وجود، أو عدم وجود، شركة مع بطريرك القسطنطينيّة، ولكن من خلال الالتزام الثابت بالتقاليد العقائديّة والشرعيّة. فعندما ينحرف بطريرك القسطنطينيّة نفسه نحو الهرطقة أو الانقسام، كما حدث مرّات عديدة في التاريخ، يجد نفسه، تلقائيًّا، خارج الشركة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، ما يضطرّ الآخرون إلى قطع الشركة الكنسيّة معه من أجل حماية الحقيقة العقائديّة واتّباع الشرائع الكنسيّة. وحينما مال بطريرك القسطنطينيّة إلى الاتّحاد مع روما، استمرّت الكنائس المحلّيّة الأخرى في الحفاظ على إيمانها الأرثوذكسيّ الحقيقيّ، ولم يتضاءل ملء النعمة فيها لأنّها وجدت نفسها، مؤقّتًا، خارج الشركة مع بطريرك القسطنطينيّة.

لا يمكن أن يكون في الكنيسة الأرثوذكسيّة قائدًا يتمتّع بامتيازات خاصّة مقارنة بالقادة الآخرين. رأس الكنيسة المسكونيّة هو الربّ يسوع المسيح "هو رأس جسد الكنيسة" (كولوسي1: 18)، وليس البطريرك المسكونيّ [23]. إنّ تدخّل كنيسة محلّيّة في شؤون كنيسة أخرى أمر غير مقبول. إنّ أولويّة بطريرك القسطنطينيّة بين رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة هي أولويّة شرف لا سلطة، ولا تمنحه أي امتيازات خاصّة، باستثناء تلك التي يمكن أن ينالها بموجب مجمع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، كما حدث أثناء التحضير للمجمع المقدّس الكبير للكنيسة الأرثوذكسيّة، عندما، وبموافقة الكنائس الأرثوذكسيّة كلّها، تمّ إسناد مهام التنسيق والتنظيم إلى بطريرك القسطنطينيّة. 

وفي الوقت الحاضر، وبسبب مشاركة بطريرك القسطنطينيّة في الانشقاق، أصبح من المستحيل على الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة أن تعترف بهذه الأولويّة المشرّفة له. وكما أشار مجمع الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة المقدّس في بيانه الصادر بتاريخ 15 تشرين الأوّل لعام 2018، بأنّ الشركة مع الذين انحرفوا إلى الانشقاق، وبخاصّة المطرودين من الكنيسة، هي بمثابة انحراف إلى الانشقاق وتدينه شرائع الكنيسة المقدسّة بشدّة: "وإذا اشترك أحد الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة أو أي إكليريكيّ مع هؤلاء المقطوعين فليُقطع من الشركة لخرقه نظام الكنيسة (مجمع أنطاكيّة، قانون 2؛ راجع قوانين الرسول 10، 11).

وفي قرار المجمع الروسيّ المؤرَّخ في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر آب لعام 2021، أشار إلى أنّه "بدعمه الانقسام في أوكرانيا، فقد البطريرك برثلماوس ثقة ملايين المؤمنين"، وألمح إلى تصريح غالبيّة المؤمنين الأرثوذكسّ في العالم: "لسنا في شركة كنسيّة معه، ولم يعد له الحقّ في التحدّث نيابةً عن الأرثوذكسيّة العالميّة وتقديم نفسه كقائد لها"[24].

2.    مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بدور أعلى في محكمة الاستئناف في الكنيسة الجامعة

إنّ الانتهاك الكبير للنظام القانونيّ المقبول في الكنيسة الأرثوذكسيّة هو المطالبات بـ "الامتيازات القانونيّة المفترضة لبطريرك القسطنطينيّة للموافقة على الطعون المقدّمة من الأساقفة والكهنة من جميع الكنائس المستقلّة"[25]. ترتكز القسطنطينيّة بهذا الادّعاء على القانون التاسع للمجمع المسكونيّ الرابع [26]، الذي ينصّ "إذا كان الخلاف بين الأسقف أو أحد الإكليريكيّين ومتروبوليت الأبرشيّة نفسها، فليرفع دعواه إلى إكسارخوس الأبرشيّة أو إلى الكرسيّ البطريركيّ في القسطنطينيّة المدينة الملكيّة".

ومع ذلك، لا ينطبق هذا القانون على جميع الكنائس المحلّيّة، بل على كنيسة القسطنطينيّة، ويصلح، فقط، لأمورها الداخليّة. هذا ما صرّح به المفسّر البيزنطيّ لشرائع الكنيسة، يوحنّا زوناراس، مشيرًا بوضوح إلى أنّ "بطريرك القسطنطينيّة لا يُعيَّن قاضيًا على جميع المطارنة دون استثناء، إنّما، فقط، على مرؤوسيه. لأنّه من غير الممكن أن يحضر إلى محكمته مطارنة سوريا أو فلسطين أو فينيقيا أو مصر ضدّ إرادتهم؛ ولكن يخضع مطارنة سوريا لمحكمة بطريرك أنطاكية، وكذلك الفلسطينيّون لمحكمة بطريرك القدس، أمّا المطارنة المصريّون فيخضعون لمحكمة بطريرك الإسكندريّة الذي يتلقّون منه الرسامة " [27].

ويشير القدّيس نيقوديموس الآثوسيّ في "البيذاليون"، وهو مصدر موثوق للقانون الكنسيّ لكنيسة القسطنطينيّة، إلى أنّه "لا يحقّ لبطريرك القسطنطينيّة التصرّف في أبرشيّات البطاركة الآخرين، وهذا القانون لم يمنحه الحقّ في قبول الطعون بأي حال من الأحوال في الكنيسة الجامعة". يقدّم القدّيس نيقوديموس عددًا من الحجج المؤيّدة لهذا التفسير، ويخلص إلى القول: "في الوقت الحاضر... رئيس القسطنطينيّة هو القاضيّ الأوّل والوحيد والأخير على المطارنة التابعين له، ولكن ليس على التابعين للبطاركة الآخرين" [28].

عُرفت، في عصور مختلفة، بعض الحالات التي سأل فيها رؤساء الكنائس المحلّيّة مساعدة بطريرك القسطنطينيّة. وتبرز هذه الممارسة، على وجه الخصوص، في "رسالة الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرسوليّة إلى جميع المسيحيّين الأرثوذكس" (1848) التي تقول: "يمكن لكلّ من بطاركة الإسكندريّة وأنطاكيّة والقدس، في حالات غير عاديّة ومعقّدة، اللجوء إلى بطريرك القسطنطينيّة، باعتبار هذه المدينة هي عاصمة المستبدّين بالإضافة إلى تمتّعها بالميزة التي منحتها إيّاها المجامع. فإذا جاءت المساعدة لشخص ما مطابقة لما يحتاجه إصلاحه من خلال التعاون الأخويّ، يكون جيّدًا شرط ألّا يأتي هذا التعاون الأخويّ في الإيمان المسحيّ على حساب استعباد كنائس الله"[29]؛ ولكن، إذا لم يتمّ الأمر على هذا النحو، فيُرفَع الأمر، وقتئذ، إلى الحكومة في الوقت المناسب.

ومع ذلك، يلفتنا في هذا الإطار ما يلي: أوّلًا، لقد دار الحديث هنا عن كنائس محلّيّة محدّدة وهي الإسكندريّة وأنطاكيّة والقدس، وليس عن جميع الكنائس التي كانت موجودة والتي مازالت قائمة حاليًّا. ثانيًا، البحث هنا عن حالات "غير عاديّة ومعقّدة"، والتي يحوّلها رؤساء هذه الكنائس بمبادرة منهم إلى مشورة بطريرك القسطنطينيّة في حالة عدم تمكّنهم، هم أنفسهم، من حلّها. ثالثًا، يقول النصّ بوضوح على أنّ مشاركة القسطنطينيّة في حلّ مثل هذه القضايا يجب ألّا تتعرّض لحرّيّة الكنائس المحلّيّة. رابعًا، لا يُذكر في أي مكان في هذا النصّ أنّ أسقفًا أو كاهنًا فرديًّا في كنيسة محلّيّة، مستبَعد عن رئيسه أو أعلى سلطة مجمعيّة في كنيسته، يمكنه الاستئناف أمام بطريرك القسطنطينيّة.

إنّ ممارسة توجيه طلبات المساعدة إلى بطريرك القسطنطينيّة في الأمور المعقدّة ترجع إلى أنّ "هذه المدينة هي عاصمة المستبدّين"؛ وهي، كما هو معترف عليه، لم تعد كذلك اليوم. من الواضح أنّ سلطة الكرسي القسطنطينيّ لا يمكن أن تمتدّ إلى ما هو أبعد من الأراضي الخاضعة لسلطة المستبدّين المذكورين: ففي العام 1848، كان هذا المستبدّ هو السلطان، وبالتالي لا يمكننا التحدّث إلّا عن الكنائس المحلّيّة الواقعة داخل الدولة العثمانيّة.

ذُكرت، في التاريخ الحديث، حالات توجّهت فيها كنيسة محلّيّة واحدة أو أكثر، بمبادرة منها ومتمثّلة برئيسها والمجمع، إلى القسطنطينية طالبة المساعدة لكونها لم تتمكّن، بشكل مستقلّ، من إيجاد حلّ، للمشكلة التي تتعرّض لها. لم يكن لبطريرك القسطنطينيّة، في مثل هذه الحالات، دور أعلى في محكمة الاستئناف، بل كمنسّق للمساعدة المقدّمة من قبل الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى للكنيسة المتألّمة. بل كمنسّق للمساعدة المقدّمة للكنيسة التي تعاني من جانب الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى.

ونورد هنا مثالًا على هذا التعاضد الأرثوذكسيّ المشترك الذي تمّ تنفيذه بالدور التنسيقيّ لبطريركيّة القسطنطينيّة، والذي شكّل إحدى مراحل معالجة الانقسام في الكنيسة الأرثوذكسيّة البلغاريّة. ففي العام 1998، وبناء على طلب بطريرك بلغاريا مكسيموس، ترأس بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس المجمع المقدّس الكبير المنعقد في صوفيا، والذي شارك فيه في الفترة من الثلاثين من أيلول إلى الأوّل من تشرين الأوّل 1998 رؤساء وممثّلي ثلاثة عشر كنيسة أرثوذكسيّة محلّيّة. وقد قبل المجمع توبة عدد من الأساقفة المنشقّين [30] مع بعض الكهنة والرهبان والعلمانيّين فتوحّدوا، ثانية، بالكنيسة الأرثوذكسيّة البلغاريّة القانونيّة [31].

بعد سنوات عديدة، قرّر البطريرك برثلماوس معالجة "الانقسام الأوكرانيّ"، بيد أنّ تصرّفه هنا جاء مغايرًا، تمامًا، لمعالجته الانقسام في الكنيسة البلغاريّة. فإن كانت قد توجّهت، يومذاك، قيادة الكنيسة البلغاريّة إلى القسطنطينيّة، إلّا أنّه لم يتّجه، الآن، قادة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة ولا قادة الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة إليها لحلّ المشكلة؛ بل لقد توجّهت السلطات العلمانيّة للدولة الأوكرانيّة ومجموعتان من المنشقّين إلى البطريرك برثلماوس، متجاوزين الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة القانونيّة. وجاء قرار القسطنطينيّة بـ "استعادة" مطران كييف السابق "فيلاريت دينيسينكو" انتهاكًا لقوانين الكنيسة.

من الضروري أن نتذكّر ما كتبه بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في السادس والعشرين من شهر آب للعام 1992، إلى بطريرك موسكو وسائر روسيا ألكسي الثاني ردًّا على رسالته بخصوص تجريد متروبوليت فيلاريت مطران كييف من رتبته: "إنّ كنيسة المسيح العظيمة المقدّسة تعترف بملء الاختصاص الحصريّ لكنيستكم الروسيّة المقدّسة حيال هذه المسألة، وتقبل قرار مجمعكم بشأن ما ورد أعلاه".

وجاء في جواب البطريرك برثلماوس بتاريخ السابع من نيسان من العام 1997 على الرسالة المتعلّقة بأناثيمة (قطع) فيلاريت دينيسينكو: "بعد أن وصلنا إخطارًا بالقرار المذكور، أبلغنا قادة كرسيّنا المسكونيّ بالأمر، وطلبنا منهم ألّا يتواصلوا، من الآن فصاعدًا، مع الأشخاص المذكورين". وهكذا، حتّى لو كان لبطريركيّة القسطنطينيّة الحقّ في قبول الطعون المقدّمة من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى، ففي هذه الحالة، لا يمكن لبطريرك القسطنطينيّة، وفقًا للقانون [32]، أن يقبل، مرّة أخرى، استئنافًا من المتروبوليت السابق فيلاريت دينيسينكو، لا سيّما وإنّه كان قد اعترف سابقًا بكامل الاختصاص الحصريّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في أمره، وأعرب عن موافقته على قرار مجلس الأساقفة دون أي مقترحات لمراجعته. ومع ذلك، فمن الواضح أنّ أي استئناف آخر من متروبوليت كييف السابق فيلاريت غير مهمّ لأنّه، بعد إدانته، لم يتوقّف عن القيام بالخدم الإلهيّة والرسامات، وبالتالي ووفقًا للقانون [33]، الحقّ في إعادة النظر في قضيّته.

إن "إعادة رتبة" للمطران السابق فيلاريت دينيسينكو، الذي تمّ تنفيذه من جانب واحد أي من قبل بطريركيّة القسطنطينيّة، دون محاكمة أو النظر في موضوع القضيّة، لا أهمّيّة له في ضوء الشرائع المقدّسة، ولا سيما القوانين الخمسة عشر لمجمع أنطاكية، 105 (118) وقانون مجمع قرطاجة والرسالة القانونيّة لمجمع قرطاجة إلى البابا سلستين الأوّل [34].

الإجراءات التي نفّذتها القسطنطينيّة في تشرين الأوّل من العام 2018 لا يمكن أن تسمّى، على الإطلاق، "محكمة استئناف"، إذ لم تتوفّر فيها دراسة لقرارات المحكمة الكنسيّة المتّخذة ضدّ فيلاريت دينيسينكو ومكاريوس ماليتيتش، وحسب، بل لم تكن هناك، أيضًا، معرفة مباشرة بالسيرة الذاتيّة لهؤلاء الأشخاص. وهكذا، كتب البطريرك برثلماوس عن الطعون التي تلقّاها "من السيّد فيلاريت من كييف، وأيضًا... من السيّد مكاريوس من منطقة لفوف" [35]، على الرغم من أنّه في وقت انجرافه إلى الانشقاق كان الكاهن نيقولاي ماليتيتش متزوّجًا.

في محاولة لتوسيع نطاق حقوقه وخلق أحداث جديدة، "ألغى" المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة في السابع من شهر شباط 2023 القرارات المعتمدة حسب الأصول الصادرة عن محكمة الكنيسة في أبرشيّة فيلنيوس التابعة للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بشأن تجريد خمسة كهنة من الكهنوت بسبب الجرائم الكنسيّة التي ارتكبوها، غير أنّه وبناءً على توصية من البطريرك برثلماوس، "أعادوهم" إلى درجاتهم الكنسيّة السابقة.

في الوقت نفسه، ورغم التأكيد على "دراسة شاملة للقضايا "، لم يكن لدى المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة موادً من القضايا المعروضة على المحاكم، مستندًا، فقط، إلى تصريحات هؤلاء الكهنة المذكورين، والتي تعكس آراءهم واهتماماتهم الشخصيّة لا غير [36]. وفي السابع والعشرين من شهر حزيران 2023، وبالطريقة ذاتها، أي من دون دراسة موادّ المحكمة، وإنّما ارتكازًا على بيان شخصيّ، تمّت "إعادة" كاهن من أبرشيّة موسكو إلى الكهنوت، رغم أنّ قضيّة تجريده من رتبته لم تكتمل من قبل محكمة الكنيسة للأبرشيّة (إنّ الموافقة على الحكم من قبل بطريرك موسكو وسائر روسيا في وقت النظر فيه في القسطنطينيّة لم تكتمل) [37].

وتوسيعًا لأنشطة غير القانونيّة، قبل المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة في الخامس والعشرين من شهر نيسان 2023 استئنافات، بعد النظر فيها، اثنين من كهنة الكنيسة الأرثوذكسيّة في أمريكا، اللذين عاقبتهما المحكمة الكنسيّة لكنيستهم المحلّيّة بسبب جرائمهما الكنسيّة.

من هنا نرى مدى خطورة الوضع عندما يتمكّن كاهن انتهك الشرائع المقدّسة وحُرم من رتبته في كنيسته المحلّيّة من الاستئناف أمام القسطنطينيّة والحصول على "إعادة إلى رتبته". علاوة على ذلك، قد يُقدم هؤلاء الكهنة على إرساء كيان لبطريركيّة القسطنطينيّة على الأراضي القانونيّة لكنيسة محلّيّة أخرى.

3.    "إعادة إلى الرتبة" للمنشقّين الذين لم يكن لديهم رسامة قانونيّة أو الذين فقدوا رتبتهم بسبب الانحراف إلى الانشقاق

لا شكّ في أنّ "إعادة رتبة" المنشقّين الأوكرانيّين من قبل بطريركيّة القسطنطينيّة هي انتهاك للشرائع المقدّسة وممارسة الكنيسة التاريخيّة.

بقرار من المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة الصادر في الحادي عشر من شهر تشرين الأوّل لعام 2018، تمّ قبول "أساقفة " و"كهنة" في مؤسّستين منشقّتين في أوكرانيا "الكنيسة الأورثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف" و"الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" في الشركة الكنسيّة "برتبتهم الحاليّة"، دون النظر إلى ظروف إدانتهم ووجود رسامتهم أو عدم وجودها.

فإنّ اتّخاذ هذا القرار يثبت عدم توبة المنشقّين وعودتهم إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة القانونيّة، التي انفصلوا عنها والتي ما زالوا يعادونها. وهكذا انتُهك الشرط الأهمّ لقبول المنشقّين في الكنيسة: توبتهم ورجوعهم إلى الكنيسة المحلّيّة التي انفصلوا عنها. ومع ذلك، ففي العصور القديمة، وكذلك في العصر الحديث، أيضًا، كان هذا الشرط، بالتحديد، أساسًا لدرء الانقسامات، وهو ما تؤكّده العديد من الأمثلة.

فإنّ النظر في مشكلة انشقاق ملاتيوس في المجمع المسكونيّ الأوّل تمّ بمشاركة مباشرة من كنيسة الإسكندريّة التي نشأ فيها والتي تألّمت بسببه؛ وقد جاء في أعمال المجمع بأنّ الأسقف ألكسندروس الإسكندريّ كان "الشخصيّة الرئيس والمشارك في كلّ ما حدث في المجمع". ومن المميّز أنّ الأساقفة الذين تمّت رسامتهم أثناء الانشقاق، عند عودتهم إلى الكنيسة القانونيّة، كان من المفترض تثبيتهم برسامة أسراريّة (μυστικωτέρᾳ χειροτονίᾳ βεβαιωθέντας). كما وقد تمّ اعتبارهم كتابعين للأساقفة القانونيّين المحلّيّين، إذ أُمروا "بعدم القيام بأي شيء على الإطلاق دون موافقة أساقفة الكنيسة الجامعة الرسوليّة تحت قيادة [أسقف الإسكندريّة] ألكسندروس".

بطريقة مماثلة، اتّخذ المجمع المسكونيّ الأوّل قرارًا بشأن انشقاق نوفاسيانوس، إذ وفقًا للقانون الثامن، كان على الأساقفة داعمي نوفاسيانوس "الاعتراف بشكل كتابيّ" بخضوعهم في كلّ شيء لعقائد الكنيسة الجامعة. وثمّ، بعد أن تمّت رسامتهم (ὥστε χειροθετουμένους αὐτούς)، انضمّوا إلى الكنيسة وتبعوا الأساقفة القانونيّين المحلّيّين.

طالب آباء المجمع المسكونيّ السابع، الذي تناولوا مسألة قبول الأساقفة الذين رفضوا تكريم الأيقونات في الكنيسة، بالتوبة الخطّيّة، فامتثلوا. كما ورد في أعمال المجمع، كذلك، التداول في قضيّة كلّ أسقف على حدة، واستجواب الأساقفة الذين كانوا متشدّدين في رفضهم للأيقونات بعناية خاصّة، أمثال المتروبوليت غريغوريوس من قيصريّة الجديدة، واستدعاؤهم لاجتماعات المجلس مرّات عديدة.

في تاريخ الكنيسة الحديث، استعمل مجلس رؤساء وممثّلي الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة في صوفيا في العام 1998 المبدأ عينه، عندما لم يتمّ قبول الأساقفة المنشقّين في الشركة إلّا بعد توبتهم والتعبير عن استعدادهم للعودة إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة البلغاريّة القانونيّة.

أمّا المنشقّون في أوكرانيا، فلم يتوبوا ولم يتّحدوا من جديد مع الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة ورئيسها، صاحب الغبطة أونوفريوس متروبوليت كييف وسائر أوكرانيا. يشير قرار المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة - بقبول هؤلاء الأشخاص في الشركة الكنسيّة - إلى الابتعاد عن الممارسة القديمة التي تعود إلى قرون وذات الأساس العميق في العقيدة الأرثوذكسيّة، والتي تؤدّي إلى تشويهات في فهم طبيعة وبنية الكنيسة.

تتفاقم خطورة الأعمال غير القانونيّة التي قامت بها بطريركيّة القسطنطينيّة من خلال حقيقة واضحة أنّ جميع "الأساقفة" و "الكهنة" المنشقّين دون استثناء، قد "تمّت إعادتهم" إلى رتبتم بقرار متعمّد من مجمعها دون فحص الخلافة الرسوليّة لرسامتهم. وفي الوقت نفسه، وفي كثير من الحالات، لا يمكن اعتبار رسامات المنشقّين الأوكرانيّين صالحة أو صحيحة.

تأسّست ما يسمّى بـ "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" على يد الشمّاس السابق لأبرشيّة تولا فيكتور تشيكالين (الذي تمّ تجريده من الرتبة في العام 1983) والأسقف السابق لأبرشيّة جيتومير وأوفروتش يوحنّا بودنارتشوك (الذي تمّ تجريده من الرتبة الأسقفيّة في العام 1989)، اللذين في العام 1990 "رسما " الأساقفة الأوائل لهذه المؤسّسة المنشقّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ فيكتور تشيكالين، الذي تظاهر بأنّه "أسقف فيكنتيوس مطران ياسنايا بوليانا"، لم يتلقّ في أي مؤسّسة (حتّى في المؤسّسات غير القانونيّة) ليس، فقط، "الرسامة" الأسقفيّة، ولكن حتّى "الرسامة" الكهنوتيّة.

والأمر الأكثر أهمّيّة هو أنّ "الأسقفيّة" الحاليّة "للكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة"، والتي انضمّت إلى ما يسمّى بـ"الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا"، لديها سلسلة من "الرسامات" قام بها هذان الشخصان. ونذكر، بشكل خاصّ، كيف أنّه بمشاركة فيكتور تشيكالين "رُسم" "متروبوليت غاليتسا" أندري أبرامتشوك، الذي احتفل مع البطريرك برثلماوس في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس بالذبيحة الإلهيّة في السادس من كانون الثاني لعام 2021. كما حصل الرئيس السابق "للكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة"، مكاريوس ماليتيتش، الذي أطلق على نفسه اسم "مطران كييف وسائر أوكرانيا"، على "الرسامة" الأسقفيّة من أساقفة رسمهم تشيكالين.

أنشئت ما يسمّى بـ "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف" نتيجةً لانتقال متروبوليت كييف السابق فيلاريت دينيسينكو إلى "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" في الخامس والعشرين من حزيران لعام 1992، والذي كان قد جرّده من الرتبة الأسقفيّة قبل أسبوعين مجلس الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة لأسباب وتهم متعدّدة؛ كما حرمه من الكهنوت مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة في السابع والعشرين من آيّار لعام 1992.

بعد الانضمام إلى "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" المنشقّة، خدم المتروبوليت فيلاريت السابق، لفترة طويلة، مع أساقفة مؤسّسة "تشيكالين"، أي مع الذين لم يحصلوا على رسامة أسقفيّة أبدًا. ورغم محاولات المتروبوليت السابق فيلاريت "لإعادة رسامات" أساقفة "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" (بمساعدة الأسقف السابق يعقوب بانتشوك وأسقف لفوف السابق أندري هوراك، اللذين تبعاه في الانقسام، واللذين جُرِّدا، أيضًا، من رتبتهما المقدّسة) إلّا أنّ بعضًا من هؤلاء الأساقفة رفض "إعادة رسامتهم".

بعد الانقسام الأوكرانيّ في العام 1993 إلى هيكلين غير قانونيّين، تحوّلت أسقفيّة "تشيكالين" التابعة "للكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" إلى "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف"، وعادت وشاركت، مرارًا وتكرارًا، في "رسامات أسقفيّة". في هذا الصدد، عاد لا يمكن التعرّف على وجود علامات حتّى شكليّة للخلافة الرسوليّة في "رسامات" "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف" دون بحث عميق.

تؤكّد ظروف تقنين الانقسام الأوكرانيّ أنّه لم يتمّ، على الإطلاق، إجراء أي دراسة حول تكريس المنشقّين الأوكرانيّين في الفنار. وهذا ما تثبته "استعادة في الرتبة" رئيس "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" مكاريوس ماليتيتش إلى "متروبوليت لفيف السابق". ورغم أنّه لم يحرمه أحد من هذه الرتبة، ولا من تجريده بسبب انضمامه إلى "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" في رتبة متقدّم في الكهنة (التي حُرم منها لاحقًا) فقد حصل على "الرسامة" الأسقفيّة ورتبة "مطران لفوف" عندما شارك في الانشقاق. علاوة على ذلك، ونتيجة للقبول التلقائيّ "في الرتبة الحاليّة" لجميع الذين كانوا جزءًا من "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" و"الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف" غير القانونيّين، اعترفت القسطنطينيّة بميخائيل لياروش، الذي عاش في باريس، باعتباره "متروبوليت كورسون" [38] والذي أصبح "أسقفًا" لما يسمّى "الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا". وفي الوقت نفسه، فإنّ خلافة "رسامة" الأسقفيّة لهذا الرجل تعود إلى المنشقّين اليونانيّين التابعين للتقويم القديم.

إنّ الإجراءات غير القانونيّة التي اتّخذها بطريرك القسطنطينيّة "لإعادة الرتب" لأشخاص لم يحصلوا على مثل هذه الرتب من قبل تسبّبت في تقييم قانونيّ مناسب في عدد من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة. ووفقًا لقداسة بطريرك صربيا بورفيريوس، فإنّ "الكنيسة هي الكنيسة، ولا يمكن للتجمّع غير القانونيّ أن يصبح كنيسة إلّا من خلال التوبة والإجراءات القانونيّة لا بكتابة قلم أحدهم"[39]. كما وجاء في بيان مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة البولنديّة: "إنّ الذين ارتدّوا عن الكنيسة وهم، في الوقت نفسه، محرومون من الرسامة الكهنوتيّة لا يمكنهم أن يشكّلوا كيانًا كنسيًّة سليمًة"[40].

ولمّا حقّق غبطة رئيس أساقفة ألبانيا أنستاسيوس في رسالة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس بتاريخ الحادي والعشرين من شهر آذار لعام 2019، لاحظ أنّ "تصحيح انشقاق ملاتيوس والقبول الكامل لمن رسمهم بشكل غير قانونيّ ضمّ المراحل التالية: 

·      التوبة؛

·      وضع يدَي الأسقف القانونيّ هو أقل ما يتوجّب لتثبيت الخلافة الرسوليّة؛

·      الصلاة؛

·      وأخيرًا المصالحة.

وهذا المبدأ ينطبق، في جميع الأحوال دون استثناء، على عودة المنشقّين إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة...".

ومن غير الصحيح مقارنة الانشقاق الأوكرانيّ بالانقسام الذي حدث بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة خارج روسيا والكنيسة في الوطن، والذي تمّ علاجه في العام 2007، إذ لم يُجرَّد أساقفة الكنيسة الروسيّة في الخارج من رتبتهم على الإطلاق. وكما كتب صاحب الغبطة رئيس أساقفة ألبانيا أنستاسيوس في الرسالة المذكورة، "لم يكن هناك حرمان ولا أناثيمة (قطع)، ولا تشكيك، البتّة، في الخلافة الرسوليّة". ويؤكّد هذا العديد من حالات مشاركة أساقفة الكنيسة الروسيّة في الخارج في الخدم الإلهيّة مع أساقفة من العديد من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة بما في ذلك القسطنطينيّة.

ومن المناسب هنا أن نذكر بعض فقرات من بيان أمانة سرّ المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الألبانيّة الصادر بتاريخ الخامس عشر من تشرين الثاني لعام 2022، والذي يثير مسألة شرعيّة رسامة "الرئيس" الحاليّ لجامعة "الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" من قبل مطران كييف السابق فيلاريت (دينيسنكو): "عندما يُبسَل الراسم من الكنيسة، ويُحرم ويُطرد، يصبح، تلقائيًّا، غير ناشط ولا يمكنه نقل النعمة (تمامًا كما لا ينقل الجهاز الكهربائيّ الطاقة عند فصله عن المصدر الشاحن). وطبعًا، فإنّ الأمر الذي لم يحدث، أبدًا، لا يمكنه أن يصبح منجَزًا وصحيحًا وقانونيًّا من خلال قرار إداريّ بسيط. وهنا، بالضبط، يكمن سبب القلق بشأن شرعيّة رسامة إبيفانيوس على يد فيلاريت".

ويجب الاعتراف بأنّ "الأساقفة" لما يسمّى بـ "الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" المنشقّة، والتي شُكِّلت بقرار من بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس من هيكلين غير قانونيّين موجودين مسبقًا: "الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة المستقلّة" و"الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة التابعة لبطريركيّة كييف" ليس لديهم الرسامة الكنسيّة القانونيّة وبالتالي ليسوا أساقفة. كلّ أسقف في الكنيسة القانونيّة يشارك في الخدمة الإلهيّة معهم، ووفقًا للقوانين الكنسيّة (قانون التاسع لمجمع قرطاجة، والقانونين الثاني والرابع لمجمع أنطاكيّة، والقانونين الحادي عشر والثاني عشر لقوانين الرسل)، فهو من خلال هذه المشاركة، ينضمّ إلى الانقسام ويخضع لتجريد الرتبة.

فبسبب انعدام الحقّ والرغبة في الدخول في الشركة الإفخارستيّة مع هذا النوع من "الأساقفة"، لا سيّما بعد اعتراف القسطنطينيّة بهم، اضطرّت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في اجتماع مجمعها المقدّس في الخامس عشر من تشرين الأوّل لعام 2018 إلى إعلان استحالة الشركة الإفخارستيّة مع بطريركيّة القسطنطينيّة وحتّى برفض قراراتها المناهضة للقانون. ووسّعت القرارات اللّاحقة للمجمع الروسيّ المقدّس [41] نطاق استحالة الشركة الإفخارستيّة، فطالت رؤساء وأساقفة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الذين يعترفون بشرعيّة الانشقاق الأوكرانيّ ويتشاركون مع أشخاص ليس لديهم رسامة قانونيّة.

ووفاءً لروح ونصوص الشرائع المقدّسة، ستواصل الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة الالتزام الصارم بتلك القرارات الكنسيّة التي تحظّر المشاركة مع المنشقّين، فإنّ أي انحراف عن هذه الشرائع يؤدّي، حتمًا، إلى تقويض السلام بين الكنائس وتعميق الانقسام.

4.    مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بحقّ قبول كهنة دون بيان وضع.

الابتكار الآخر لبطريرك القسطنطينيّة هو التصريح حول الحقّ المفترض في قبول كهنة من أي كنائس محلّيّة دون بيان وضع من أساقفتهم. وبالإشارة إلى "الحقوق المقبولة" المفترضة لكرسيّهم للتصرّف بهذه الطريقة، فقد تمّ قبول خمسة من الكهنة السابقين من أبرشيّة فيلنيوس في شباط [42]، وفي نيسان اثنين من كهنة في إكسارخوسيّة بيلاروسيا، بالإضافة إلى الكاهن التابع لأبرشيّة موسكو للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة الذي "أعيد إلى رتبة الكهنوت" في حزيران 2023 وتمّ قبوله "تحت رعايّة" البطريرك برثلماوس.

إنّ نقل كهنة من ولاية كنسيّة إلى أخرى من دون موافقة القادة المحلّيّين في شكل بيان وضع هو جريمة قانونيّة من جانب الكاهن ومن جانب الأسقف الذي استقبله. وقد جاء ذلك صريحًا في عدد من الشرائع الكنسيّة [43]. وفي ضوء هذه القوانين، فإنّ تصرّفات البطريرك برثلماوس هي انتهاك للأسس القانونيّة للنظام الكنسيّ.

لتبرير تصرّفاته، لا يستند البطريرك برثلماوس إلى أي من القوانين الكنسيّة، بل يشير، فقط، إلى تفسير ثيوذوروس بلسمون للقوانين السابع عشر والثامن عشر لمجمع ترولو والقانون العاشر للمجمع المسكونيّ السابع (والتي تحظّر قبول كهنة دون بيان وضع). وفي تعليقه على مضمون القانون العاشر للمجمع المسكونيّ السابع، كتب بلسمون: "تحظّر قوانين مختلفة على الكهنة مغادرة الأبرشيّات التي ينتمون إليها والانتقال إلى أخرى. فتبعًا لهذا، يحدّد القانون الحاليّ أنه لا يجوز قبول أي كاهن بدون موافقة أسقفه، أي بدون بيان وضع، أو بدون قرار من بطريرك القسطنطينيّة، في أي مكان، أي ممنوع أن يخدم في أي كنيسة. نلاحظ من المعنى الحرفيّ لهذا القانون أنّ بطريرك القسطنطينيّة له وحده الحقّ بقبول كهنة غرباء ولو بدون بيان وضع من أساقفتهم، إذا قدّموا، على الأقلّ، رسائل تشهد برسامتهم أو قبولهم في الأبرشيّة. لذلك، كما يبدو لي، يحقّ لقداسة البطريرك أن يسمح لكاهن آخر أن يكون كاهنًا في المدينة الحاكمة ولو دون بيان وضع من أسقفه [44].

في هذا التفسير، يجعل بلسمون استثناءً من القاعدة العامّة لبطريرك القسطنطينيّة. ولكن لا يوجد مثل هذا الاستثناء في تفسيرات الشرائع الأخرى المخصصّة لموضوع انتقال الكهنة في علماء القوانين الموثوقين الآخرين، مثل: زوناراس، وأريستينوس والقدّيس نيقوديموس. فإنّ الأساس الوحيد المفهوم لتخصيص كرسيّ القسطنطينيّة واستيعاب امتياز خاصّ له يمكن أن يكون باعتبار وضع العاصمة "مدينة مالكة"، والتي كانت، بالتالي، مركز جذب الكهنة الذين انفصلوا عن أساقفتهم، وهو وضع فقدته هذه المدينة منذ فترة طويلة. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه حول رأي بلسمون في الحدود الإقليميّة للامتياز الذي ذكره. المترجم نفسه ليس لديه إجابة على هذا السؤال.

سلّطت الضوء على هذه المشكلة تعليقات يوحنّا زوناراس على القانونين التاسع والسابع عشر من المجمع المسكونيّ الرابع حول مسألة الاستئنافات، موضحة أنّ الحديث هنا يخصّ المطارنة التابعين لبطريرك القسطنطينيّة [45]. قياسًا على تعليمات زوناراس هذه، يمكن القول إنّ حقّ بطريرك القسطنطينيّة في قبول كهنة دون بيان وضع، الذي يشير إليه بلسمون، كان مطبّقًا في عصره حصريًّا على كهنة بطريركيّة القسطنطينيّة. علاوة على ذلك، في تفسير القانون السابع عشر لمجمع ترولو، يدّعي بلسمون أنّ نفس الامتياز يُنسب إلى أسقف قرطاجة: "استثني أسقفَي القسطنطينيّة وقرطاجة؛ لأنّهما وحدهما، كما تردّد مرارًا، يستطيعان قبول الكهنة الغرباء دون موافقة رئيسهم" [46].

وبالحقيقة، فلقد منح القانون الخامس والخمسين (السادس والستّين) من مجمع قرطاجة أسقف قرطاجة، بصفته رئيسًا لأفريقيّا آنذاك، امتياز رسامة الكهنة من الأبرشيّات الأفريقيّة الأخرى في رتبة أساقف على الأبرشيّة المحرّرة، دون الحاجة إلى موافقة إلزاميّة من الأسقف الذي يتبع له الكاهن. لكن من الواضح أنّ هذا الامتياز لم يتجاوز حدود أفريقيا. لذا، يبدو الأمر واضحًا كلّ الوضوح: كان بلسمون يتحدّث عن حقيقة أنّ أسقف القسطنطينيّة، كما أسقف قرطاجة، لديه، أيضًا، حقوق قضائيّة موسّعة مقارنة بالأساقفة الآخرين، ولكن داخل كنيسة القسطنطينيّة فقط.

الجدير بالذكر أنّ القوّة التشريعيّة في الكنيسة هي في القوانين المقدّسة لا في تفسيراتها، حتّى ولو جاءت من قبل العلماء الموثّقين. والمعنى المباشر للشرائع التي يذكرها البطريرك برثلماوس يتحدّث، بالتحديد، عن حظر قبول الكهنة الغرباء دون بيان وضع من أساقفتهم. لذلك، فإنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة لا تعترف، ولن تعترف، بمثل هذا التفسير للتقليد الكنسيّ، الذي ينسب حقوقًا قضائيّة فائقة في جميع أنحاء العالم إلى بطريرك القسطنطينيّة. وسوف تلتزم، بشدّة، بمبدأ المساواة القضائيّة بين الكنائس المستقلّة ورؤسائها بغضّ النظر عن أماكنهم في الذبتيخا. والأفعال التي ارتكبها بطريرك القسطنطينيّة بقبول الكهنة من كنيسة محلّيّة أخرى في ولايته دون بيان وضع، سوف نعتبرها جريمة يعاقَب عليها، وفقًا للشرائع المقدّسة، بالتجريد من الرتبة.

5.    مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بالحقّ الحصريّ في منح الاستقلال الذاتيّ

تطوّر في الكنيسة الأرثوذكسيّة فهم الاستقلال الذاتيّ تدريجيًّا، وشكله الحالي ما هو إلّا ثمار قرون من التطوير.

لم يمنح أحد كرسيّ القدس أو روما أو الإسكندريّة أو أنطاكية أو القسطنطينيّة استقلالًا ذاتيًّا؛ لقد أصبحت جميعها مستقلّةً بسبب ظروف التطوّر التاريخيّ للكنيسة في القرون الأولى للمسيحيّة.

بعد ذلك، نشأت حالات استقلال الكنائس وتمّ إلغاؤها لأسباب مختلفة، ولم يكن هناك إجراء واحد مقبول بشكل عامّ لمنح أو إلغاء الاستقلال الذاتيّ. وهكذا، كان من الممكن منح الاستقلال الذاتيّ من قبل المجمع المسكونيّ. على سبيل المثال، حصلت الكنيسة الأرثوذكسيّة القبرصيّة على الاستقلال الذاتيّ بقرار المجمع المسكونيّ الثالث سنة 431 [47].

يمكن، أيضًا، للكنيسة الأمّ أن تمنح الاستقلال الذاتيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة المحلّيّة المستقلّة الجديدة التي انبثقت من ولايتها القضائيّة. على سبيل المثال، تمّ منح الاستقلال الذاتيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة ثلاث مرّات - في 1219 و1557 و1879، من قبل بطريركيّة القسطنطينّية، التي منحت، أيضًا، الاستقلال الذاتي لعدد من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى التي خرجت عن نطاق ولايتها القضائيّة.

يعود تاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة إلى أكثر من ألف عام، وتحديدًا إلى عام 988، عندما تمّ تعميد الروس الكييفيّة على يد الأمير القدّيس فلاديمير المعادل للرسل في مياه نهر دنيبر. لعدّة قرون، كانت مطرانيّة الروس الموحّدة (التي كان مركزها أوّلاً في كييف ثمّ في فلاديمير، وأخيرًا في موسكو) جزءًا من بطريركيّة القسطنطينيّة. ومع ذلك، ففي العام 1448، حصلت الكنيسة الروسيّة على الاستقلال الفعليّ بعد انتخاب القدّيس يونان متروبوليتًا على كرسيّ موسكو من دون موافقة القسطنطينيّة. جاء هذا القرار بالنسبة للكنيسة الروسيّة إرغاميًّا بما أنّ بطريرك القسطنطينيّة، في ذلك الوقت، كان في وضع الاتّحاد مع روما، هذا الاتّحاد الذي رفضته الكنيسة الروسيّة رفضًا قاطعًا.

غير أنّه لم يتمّ الاعتراف، على الفور، باستقلال الكنيسة الروسيّة من قبل القسطنطينيّة والبطاركة الشرقيّين الآخرين. بل في العام 1589، وبمشاركة بطريرك القسطنطينية إرميا الثاني أنشئت بطريركيّة موسكو ونُصِّب القدّيس أيوب بطريركًا عليها. وبسبب هذا الفعل، وقّع البطريرك إرميا والمرافقون له، وكذلك الأساقفة والأرشمندريت في الكنيسة الروسيّة، على "مستند عن إنشاء بطريركيّة في روسيا". وتمّت الموافقة على الكرامة البطريركيّة لكرسيّ موسكو في مجمعَي بطاركة المشرق في القسطنطينيّة ما بين العامين 1590 و1593 [48[.

كما اتّخذ المجمع المقدّس، أو مجالس الأساقفة، قرارات أخرى لمنح الاستقلال الذاتيّ لأجزاء من بطريركيّة القسطنطينيّة بشكل متكرّر. وهكذا، منحت بطريركيّة القسطنطينيّة وضع الاستقلال الذاتيّ لأعضائها من الكنائس اليونانيّة (1850)، والصربيّة (1879)، والرومانيّة (1885)، والألبانيّة (1937).

وقد ورد في التاريخ الكنسيّ، بالإضافة إلى المجامع، كيف مُنح الاستقلال ليس، فقط، من قبل بطريركيّة القسطنطينيّة، وإنّما، أيضًا، من قبل الكنائس الأخرى. وهكذا، ففي القرن الخامس، منحت بطريركيّة أنطاكية الاستقلال الذاتيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الجيورجيّة؛ ومنحت بطريركيّة موسكو في القرن العشرين الاستقلال الذاتيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة البولنديّة (1948) والكنيسة الأرثوذكسيّة التشيكوسلوفاكيّة (1951) والكنيسة الأرثوذكسيّة في أمريكا (1970). وفي العام 2022، حصلت الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدونيّة (أبرشيّة أوهريد) على الاستقلال من الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة.

كتب المثلّث الرحمات أثيناغوراس بطريرك القسطنطينيّة في رسالة إلى القائم على العرش البطريركيّ للكنيسة الأرثوذكسية الروسيّة، المتروبوليت كروتيتسا وكولومنا بيمنوس، بتاريخ الرابع والعشرين من شهر حزيران من العام 1970، ما يلي: "لا توجد شرائع خاصّة تحدّد بدقّة كلّ ما يتعلّق بالاستقلال الذاتيّ. فإنّ منح الاستقلال يقع ضمن اختصاص الكنيسة بأكملها، ولا يمكن اعتباره، بأي حال من الأحوال، من حقوق "كلّ كنيسة مستقلّة"؛ إنّ الحكم النهائيّ في مسألة الاستقلال الذاتيّ يقع ضمن اختصاص مجلس عامّ، يمثّل جميع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، وبشكل خاصّ، في المجمع المسكونيّ" [49].

كان فهم إجراءات منح الاستقلال الذاتيّ كمسألة مجمعيّة تخصّ "الكنيسة بأجمعها" هو الأساس لمشروع وثيقة حول الاستقلال الذاتيّ وطرائق منحه، والتي تمّ النظر فيها في اجتماع اللجنة التحضيريّة الأرثوذكسيّة لعام 1993 وفي المؤتمر الرابع الأرثوذكسيّ الشامل في العام 2009.

يفترض الإجراء المتفّق عليه مسبقًا لمنح الاستقلال الذاتيّ المنصوص عليه في هذا المشروع: أ) موافقة المجلس المحلّيّ للكنيسة الأمّ لحصول جزء منها على الاستقلال الذاتيّ؛ ب) تحديد البطريرك المسكونيّ لإجماع جميع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، والذي يعبّر عنه بإجماع مجامعها؛ ج) على أساس موافقة الكنيسة الأمّ والإجماع الأرثوذكسيّ العامّ، يتمّ الإعلان الرسميّ عن الاستقلال الذاتيّ من خلال إصدار توموس الاستقلال، الذي "يوقّعه البطريرك المسكونيّ، ويشهد عليه توقيع أصحاب الغبطة ورؤساء الكنائس المستقلّة المقدّسة، بدعوة من البطريرك المسكونيّ لهذا الغرض. وفيما يتعلّق بالنقطة الأخيرة، لم يتمّ الاتّفاق عليه بشكل كامل إلّا على إجراءات التوقيع على توموس، غير أنّ هذا الأمر لم ينقص من أهمّيّة الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها بشأن النقاط الأخرى.

وفي اجتماعات رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة لعامي 2014 و2016، أصرّ وفد بطريركيّة موسكو، إلى جانب ممثّلي بعض الكنائس الشقيقة الأخرى، على إدراج مسألة الاستقلال الذاتيّ على جدول أعمال المجمع الكبير. ومع ذلك، ناشدت بطريركيّة القسطنطينيّة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة عدم طرح هذا الموضوع على المجلس الذي كان من المقرّر عقده في حزيران من العام 2016. ولم توافق الكنيسة الروسيّة على استبعاد هذا الموضوع من جدول أعمال المجمع إلّا بعد أن أكّد البطريرك برثلماوس في الرابع والعشرين من كانون الثاني من العام 2016، خلال اجتماع رؤساء الكنائس، أنّ كنيسة القسطنطينيّة ليس لديها أي نيّة للقيام بأي أعمال تتعلّق بالحياة الكنسيّة في أوكرانيا، ولا في المجمع المقدّس الكبير، ولا بعد المجمع.

أصبح، الآن، واضحّا أنّ بطريرك القسطنطينيّة كان يستعدّ لغزو أوكرانيا، ولذلك تجنّب مناقشة موضوع الاستقلال الذاتيّ، وأصرّ على استبعاده من جدول أعمال المجمع متعلّلًا بضيق الوقت لدراسته دراسة تفصيليّة. في الواقع، أراد بطريرك القسطنطينيّة التخلّي عن جميع الاتّفاقيّات الأوليّة التي تمّ التوصّل إليها سابقًا على المستوى الأرثوذكسيّ باسم النظريّة الخاطئة القائلة بأنّ منح الاستقلال الذاتيّ يحقّ، فقط وحصريًّا، لكنيسة القسطنطينيّة. أدى تطوّر هذه الآراء إلى إعلان توموس الاستقلال لما يسمّى بـ "الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" في العام 2019.

إنّ أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة الأوفياء لا يعترفون، ولن يعترفوا، بكلّ استقلال تخلقه أو ستخلقه بطريركيّة القسطنطينيّة في المستقبل بمفردها دون موافقة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى، وخاصّة دون مبادرة وموافقة الكنيسة الأمّ. يحتاج موضوع الاستقلال الذاتيّ إلى مزيد من النقاش على أساس الاتّفاقيّات الأوليّة التي تمّ التوصّل إليها خلال العمليّة السابقة للمجمع، ولا سيما في اللجان والاجتماعات التي عُقدت في عامي 1993 و2009.

6.    انتهاك مبدأ المساواة بين الكنائس المستقلّة من قبل بطريركيّة القسطنطينيّة

إنّ الكنيسة المحلّيّة المستقلّة، التي تتمتّع بالاستقلال الكامل في حكمها، لا تعتمد على أيّ كنيسة محلّيّة أخرى في حلّ قضاياها الداخليّة. فالكنيسة الأرثوذكسيّة المسكونيّة هي عائلة من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة المستقلّة. قد تشمل الكنيسة المستقلّة كنائس لها الحكم الذاتيّ الكامل وتشكيلات كنسيّة أخرى تتمتّع بدرجات مختلفة من هذا الحكم.

إنّ جميع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، بغضّ النظر عن الزمان والطريقة التي حصلت بهما على الاستقلال الذاتيّ، هي متساويّة مع بعضها البعض. خلال الخدمة الإلهيّة، يتمّ ترتيب رؤساء وممثّلي الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة بحسب ترتيب الذبتيخا. ومع ذلك، فإنّ المكان الأدنى للرئيس في لوحة الذبتيخا لا يضع هذه الكنيسة أو تلك في موقع تابع للكنيسة التي تشغل مكانًا أعلى فيها.

اليوم، تحاول بطريركيّة القسطنطينيّة فرض فكرة مختلفة عن الاستقلال الذاتيّ على الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة. يقال إنّ أي كنيسة تصبح مستقلّة، فقط، بفضل توموس الاستقلال المستلم من بطريركية القسطنطينيّة [50]، على الرغم من أنّ التاريخ عرف طرائق أخرى للحصول على الاستقلال من قبل كنيسة محلّيّة أو أخرى. ويقال إنّ القسطنطينيّة هي أعلى محكمة استئناف لجميع الكنائس المحلّيّة (انظر الفصل الثاني). ويُزعم أنّ بطريرك القسطنطينيّة وحده هو من له الحقّ في تحضير وتوزيع الميرون المقدّس. يقال إنّه في القسطنطينيّة، فقط، تُعلن قداسة القدّيسين.

حقّقت بطريركيّة القسطنطينيّة هذا المفهوم للإكليسيولوجيا الجديدة بالكامل في العام 2019 مع إنشاء ما يسمّى بـ "الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا"، وهي كيان غير قانونيّ تم إنشاؤه من مجموعتين من المنشقّين. تحتوي الوثائق القانونيّة الأساسيّة لها "اتوموس البطريركيّ والمجمعيّ بشأن منح وضع الكنيسة المستقلّة للكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" (فيما يلي: توموس) و"نظام الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" (فيما يلي النظام) على نموذج معيب معيّن من المفترض أن تكون الكنيسة مستقلّة، والتي، مع ذلك، تعتمد بشكل مباشر وقوي جدًّا على بطريركيّة القسطنطينيّة.

وهكذا، إذا تمّ التأكيد في توموس الممنوح سابقًا بشأن استقلال عدد من الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة على أنّ رأس جميع الكنائس هو الربّ يسوع المسيح [51]، فإنّه يقال في توموس هذه المؤسّسة المنشقّة أنّ "الكنيسة المستقلّة لأوكرانيا تعترف بأنّ الكرسيّ المسكونيّ الرسوليّ البطريركيّ المقدّس هو رأسًا لها، كغيرها من البطاركة ورؤساء الكنائس [52]. وبحسب النظام (البند 1)، فإنّ "الكنيسة المستقلّة" المشكَّلة حديثًا، وفقًا للمفهوم الجديد لبطريركيّة القسطنطينية، "هي واحدة مع الكنيسة الأمّ كنيسة المسيح الكبرى في القسطنطينيّة ومن خلالها مع جميع الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة الأخرى". ويقرّر توموس أنّ هذه "الكنيسة المستقلّة" تعتبر "مهمّتها الأساسيّة" هي الحفاظ ليس، فقط، على الإيمان الأرثوذكسيّ، ولكن، أيضًا، على "الوحدة القانونيّة والشركة مع البطريركيّة المسكونيّة".

ووفقًا لنفس المفهوم للإكليسيولوجيا الجديدة، يحظّر توموس بوضوح على الكنيسة المستقلّة "تعيين أساقفة أو إنشاء رعايا في الخارج"، وينصّ على أنّ "أولئك الموجودين بالفعل سيخضعون من الآن فصاعدًا، بحسب النظام، للكرسيّ المسكونيّ، الذي له السلطة القانونيّة على الشتات". ويؤكّد هذا الحكم بشكل مباشر في النظام: "من الآن فصاعدًا، يرعى المسيحيّين الأرثوذكس من أصل أوكرانيّ في الشتات الأرثوذكسيّ أساقفة أبرشيّة البطريركيّة المسكونيّة" (النظام الفاصل الرابع، 4).

بالإضافة إلى ذلك، ينصّ توموس على أنّ "الحدود لهذه الكنيسة يقتصر على أراضي الدولة الأوكرانيّة"، ومع ذلك في نفس الحدود، تنشئ بطريركيّة موسكو في أوكرانيا إكسارخوسيّة بطريركيّة القسطنطينيّة والأديرة والرعايا البطريركيّة القسطنطينيّة، مؤكّدًا أنّ "حقوق الكرسي المسكوني ّ للإكسارخوسيّة في أوكرانيا تبقى غير منقوصة. بالإضافة إلى ذلك، يحذّر النظام من أيّ تدخّل في شؤون الأديرة البطريركيّة القسطنطينيّة: "إنّ القرار في المسائل المتعلّقة بإعداد وإقرار القوانين الداخليّة للكاتدرائيّة البطريركيّة يعود حصرًا إلى البطريرك المسكونيّ، وله وحده". ولا يجوز لأساقفة الأبرشيّة أنّ يتدخلوا في تشكيل الإدارة في الأديرة والرعايا البطريركيّة التابعة للبطريرك المسكونيّ".

تنصّ كلتا الوثيقتين – توموس والنظام – على وجه التحديد على السلطات القضائيّة لبطريرك القسطنطينيّة: "يُحفظ حقّ جميع الأساقفة والكهنة الآخرين في تقديم الطعون إلى البطريرك المسكونيّ، الذي يتحمّل المسؤوليّة القانونيّة لاتّخاذ قرارات قضائيّة نهائيّة بشأن مسائل الأساقفة وغيرهم من الكهنة في الكنائس المحلّيّة" (توموس)؛ "يجوز لكاهن من أي رتبة، محكوم عليه من قبل الإدارة الكنسيّة بأي عقوبة، أن يستخدم حقّ الاستئناف (ἔκκητον) أمام البطريرك المسكونيّ" (النظام، الفصل الحادي عشر).

حفاظًا على لعلاقات المستقبليّة بين كنيستين "مستقلّتين"، والتي في الواقع انضمّت، فقط، إلى واحدة مستقلّة منهما بالحقيقة، أن تخصّ بالذكر بطريركيّة القسطنطينيّة على وجه التحديد على أنّ النظام "يجب أن يتساوى ضرورةً من جميع النواحي مع توموس الاستقلال البطريركيّ الحاليّ، وينصّ النظام على أنّ "الحقّ في تفسير نقاط النظام بحسب توموس، يعود لبطريرك المسكونيّ حصرًا".

وكما نلاحظ أنّه بهاتين الوثيقتين، أي في توموس والنظام، توضّح عدم المساواة وحتّى التبعيّة المباشرة في بعض النقاط الأخرى. على سبيل المثال، "لحلّ القضايا الهامّة ذات الطبيعة الكنسيّة والعقائديّة والقانونيّة، يجب على رئيس "الكنيسة الأورثوذكسيّة في أوكرانيا" أن يتوجّه إلى كرسينا البطريركيّ المسكونيّ المقدّس، طالبًا منه رأيًا موثوقًا ودعمًا لا مشكوك فيه" (توموس)، وثمّ، يعلن بطريرك القسطنطينيّة "القرار اللّازم للمجلس المقدّس لأساقفة كنيسة أوكرانيا" (النظام، الفصل الرابع، 3). كما ويجب أن تتلقّى "الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا" الميرون المقدّس من بطريركيّة القسطنطينيّة.

وهكذا، فإنّ توموس والنظام، في أعقاب المبادئ التوجيهيّة الأساسيّة لمفهوم الإكليسيولوجيا الجديدة لبطريركيّة القسطنطينيّة، يشكّلان سابقة قانونيّة لترسيخ عدم المساواة في الحقوق بين الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة المستقلّة وخضوعها للسلطة الإداريّة لبطريركيّة القسطنطينيّة. يعتبر الكثيرون في الكنيسة الأرثوذكسيّة مثل هذا عدم المساواة بمثابة تقريب للنموذج البابويّ لسلطة الكنيسة [53]، والذي لم يكن موجودًا، أبدًا، في الأرثوذكسيّة.

لقد دافعت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، المخلصة للتقاليد القانونيّة التي تعود إلى قرون مضت، وستواصل الدفاع عن المساواة بين الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة واستقلال كلّ منها عن الكنائس المحلّيّة الأخرى في الإدارة الداخليّة.

"إنّ الغضب ضدّ المؤسّسة المقدّسة للاستقلال الذاتيّ"[54]، والذي عُبِّر عنه في منح الاستقلال الذاتيّ لمجموعة من المنشقّين الأوكرانيّين، أصبح أحد النتائج المحزنة لتشويه التقليد المقدّس، الذي قامت عليه حياة الأرثوذكس على مدى قرون، وبنيت الكنيسة كعائلة من الكنائس المحلّيّة، مستقلّة عن بعضها البعض في مسائل الحكم الداخليّ.

7.    المراجعة الأحاديّة الجانب من قبل بطريركيّة القسطنطينيّة للأعمال ذات الأهمّيّة القانونيّة

إنّ بطريركيّة القسطنطينيّة، التي تطالب بسلطتها الخاصّة المزعومة في العالم الأرثوذكسيّ، لا تتردّد في مراجعة القوانين التاريخيّة من جانب واحد التي لها أهمّيّة قانونيّة فيما يتعلّق بالكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة وحدودها القانونيّة. يتعارض هذا التوجّه مع التقليد الكنسيّ القانونيّ، وينتهك بشكل خاصّ القانون 129 (133) لمجمع قرطاجة [55] والقانون 17 للمجمع المسكونيّ الرابع [56]. لا يسمح هذه القانون بإمكانيّة مراجعة حدود الكنيسة القائمة، والتي لم يتمّ تحديها من قبل لفترة طويلة.

مثال على تصرّفات بطريركيّة القسطنطينيّة التي تنتهك هذه الشرائع الكنسيّة هو "إعادة" توموس بطريرك القسطنطينيّة ملاتيوس الرابع بتاريخ السابع من حزيران 1923[57]، الذي دون علم وموافقة بطريرك روسيا القدّيس تيخون، قُبلت الكنيسة الأرثوذكسيّة الإستونيّة المستقلّة ذاتيًّا، والتي كانت جزءًا من بطريركيّة موسكو، في نطاق سلطة بطريركيّة القسطنطينيّة. بعد استعادة الولاية القضائيّة القانونيّة لبطريركيّة موسكو في إستونيا عام 1944، كاد يُنسى توموس عام 1923. في الثالث من نيسان عام 1978، وبموجب قانون بطريرك القسطنطينيّة ديمتريوس ومجمع بطريركيّة القسطنطينيّة، أُعلن أنّ توموس "غير فعّال" منذ تلك الفترة، وأعلن أنّ أنشطة القسطنطينيّة في إستونيا "انتهت" [58].

ومع ذلك، في العشرين من شباط 1996، قام المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة، برئاسة البطريرك برثلماوس، بتفسير جديد لهذا القرار، مشيرًا إلى أنّه في العام 1978 " أعلنت الكنيسة الأمّ أنّ توموس 1923 غير فعّال، أي غير قادر على العمل في ذلك الوقت على أراضي إستونيا، التي كانت آنذاك جزءًا من الاتّحاد السوفيتيّ، لكنّها لم تلغها أو تبطلها. والآن يعلن البطريرك برثلماوس ومجمعه "إعادة عمل توموس سنة 1923المجمعيّ البطريركيّ "[59].

أدّى التوسّع المناهض للقانون لبطريركيّة القسطنطينّية إلى أراضي إستونيا في عام 1996 إلى التعليق المؤقَّت للشركة الإفخارستيّة بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وبطريركيّة القسطنطينيّة. وتمّ إعادة الشركة من خلال القرارات المشتركة الصادرة عن المجمعين المقدّسين للكنيستين في السادس عاشر من أيّار عام 1996، بشروط اتّفاقيّات زيورخ، التي لم تنفّذها القسطنطينيّة أبدًا.

وفي العام 2018، ألغت بطريركيّة القسطنطينيّة من جانب واحد قانون العام 1686، الذي وقّعه قداسة بطريرك القسطنطينيّة ديونيسيوس الرابع والمجمع المقدّس لكنيسة القسطنطينيّة، والذي يؤكّد وجود مطرانيّة كييف ضمن بطريركيّة موسكو. كما ورد في بيان المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بتاريخ الخامس عشر من تشرين الأوّل لعام 2018 أنّه لا يمكن أن يخضع قانون 1686 للمراجعة، وإلّا "سيكون من الممكن إلغاء أي مستند رسميّ يحدّد المنطقة القانونيّة ووضع الكنيسة المحلّيّة" – بغضّ النظر عن قِدَمها وسلطتها والاعتراف بها على مستوى الكنيسة الجامعة".

لا يقول الميثاق الصادر عن مجمع القسطنطينيّة لعام 1686 والوثائق الأخرى المتعلّقة بهذه القضيّة شيئًا عن الطبيعة المؤقَّتة لنقل مطرانيّة كييف إلى ولاية بطريركيّة موسكو، كما أنّها لا تثبت إمكانيّة إلغاء هذا القانون.

يتمّ التأكيد على عدم إلغاء القانون 1686 من خلال حقيقة أنّه على المستوى الأرثوذكسيّ الشامل، لأكثر من ثلاثة قرون، لم يكن لدى أحد أي شكّ حول انتماء الأرثوذكس الأوكرانيّين إلى رعاية الكنيسة الروسيّة، وليس إلى كنيسة القسطنطينيّة [60]. بالإضافة إلى ذلك، تصمت بطريركيّة القسطنطينيّة بشأن حقيقة أنّ مدينة كييف الكبرى لعام 1686، والتي تطالب القسطنطينيّة الآن بعودتها، لا تغطّي سوى جزء أصغر من أراضي الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة الحديثة، والتي تشكّلت لاحقًا كجزء من الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة المستقلّة. يمنع القانون الثامن للمجمع المسكونيّ الثالث [61] الأساقفة من مدّ سلطتهم إلى مناطق كنسيّة أخرى.

من خلال إنشاء رعايا في كييف من دون موافقة القادة القانونيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، غزت بطريركيّة القسطنطينيّة الحدود التابعة لكنيسة أخرى، والتي تقع تحت إدانة القاعدة المذكورة.

حوّلت بطريركيّة القسطنطينيّة التهديد بإلغاء قراراتها السابقة إلى أسلوب للضغط على الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة. على سبيل المثال، هدّد بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس، في رسالة إلى الرئيس السابق للكنيسة الأرثوذكسيّة في الأراضي التشيكيّة وسلوفاكيا، المتروبوليت خريستوفروس، بتاريخ الرابع من شباط عام 2012، بإلغاء الاستقلال لهذه الكنيسة [62].

من الضروريّ الملاحظة، بشكل خاصّ، على أنّ محاولات بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس فرض حقّه - المفترض على كرسي القسطنطينيّة - على العالم الأرثوذكسيّ في إلغاء، وفقًا لتقديره الأحادي، القرارات المجمعيّة أو التابعة للمجالس من أي صفة لا تتوافق مع النظام القانونيّ للكنيسة وإغراق العلاقات بين الكنائس في حالة من الفوضى وانتهاك القوانين.

8.    مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بالحقّ الحصريّ في الولايّة الكنسيّة في الشتات

تشكّلت مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بالحقّ الحصريّ في السلطة الكنسيّة في جميع بلدان الشتات الأرثوذكسيّ في العشرينيّات من القرن العشرين. في السابق، كان لكنيسة القسطنطينيّة وجهات نظر مختلفة حول هذه القضيّة. وعلى وجه الخصوص، اعترفت بما يلي: 1) ولاية الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في أمريكا؛ 2) رعايّة الجاليّة الأرثوذكسيّة في أستراليا ونيوزيلندا من قبل بطريركيّة القدس؛ 3) الإدارة القانونيّة لمتروبوليت سان بطرسبرغ للشتات الأرثوذكسيّ الروسيّ في أوروبا الغربية؛ 4) حقّ الكنيسة اليونانيّة في إدارة الرعايا اليونانيّة في الشتات، والذي قد يؤكّده توموس البطريركيّ والمجمعيّ بتاريخ 18 آذار 1908، ووقّعه بطريرك القسطنطينية يواكيم الثالث وأعضاء المجمع المقدّس لكنيسة القسطنطينيّة.

أصبح مؤلّف نظريّة جديدة حول التبعيّة الإلزاميّة لجميع الأرثوذكس في الشتات لكرسي القسطنطينيّة البطريرك ملاتيوس الرابع (ميتاكساكيس)، الذي رأس كرسي القسطنطينيّة في 1921-1923. قامت هذه النظريّة على مفهوم تحويل بطريركيّة القسطنطينيّة إلى كنيسة عالميّة منظّمة على مبدأ الولايّة القضائيّة خارج الحدود، وهو نوع من "الفاتيكان الأرثوذكسيّ"[63]. أنهى القرار المجمعيّ الصادر في الأوّل آذار من العام 1922 وثيقة توموس لعام 1908، وإذا كانت تلك الوثيقة تتعلّق حصريًّا بالرعايا اليونانيّة في الشتات، فقد أعلن القرار الجديد حقّ القسطنطينيّة في "الإشراف المباشر والإدارة لجميع الرعايا الأرثوذكسيّة، دون استثناء، الواقعة خارج حدود الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة في أوروبا وأمريكا وأماكن أخرى" [64].

وفقًا للنظريّة الجديدة، ففي العام 1922، تمّ إنشاء مؤسّسات بطريركيّة القسطنطينيّة في أوروبا الغربيّة وأمريكا الشماليّة والجنوبيّة، وفي العام 1924 في أستراليا وأوقيانوسيا، وكذلك في أوروبا الوسطى. استمرّ إنشاء مؤسّسات بطريركيّة القسطنطينيّة في مناطق الشتات الأخرى في السنوات اللّاحقة. في الوقت نفسه، منعت القسطنطينيّة، حيثما كان ذلك ممكنًا، إنشاء أو إعادة إنشاء رعايا كنائس محلّيّة أخرى في الشتات [65].

إنّ مطالبات القسطنطينيّة لجميع الشتات ترتكز، بشكل رئيسيّ، على فهم القاعدة الثامنة والعشرين للمجمع المسكونيّ الرابع، والتي لم تشترك فيها الكنيسة الأرثوذكسيّة بأكملها، والتي تنصّ على ما يلي: "لذلك، يتمّ تعيين مطارنة مناطق البنطس وآسيا وتراقيا، فقط، وكذلك الأساقفة الأجانب في المناطق المذكورة أعلاه، من الكرسي الرسوليّ لكنيسة القسطنطينيّة المقدّسة". ينطبق هذا القانون على مناطق محددّة من الإمبراطوريّة الرومانيّة، حيث ارتبط انتشار المسيحيّة بالجهود التبشيريّة لكنيسة القسطنطينيّة.

في كنيسة القسطنطينيّة الحديثة، تُقام المطالبات بالرجوع إلى القانون المذكور ضدّ الشتات الأرثوذكسيّ الكامل، بما في ذلك أمريكا الشماليّة والجنوبيّة وأوروبا الغربيّة وآسيا وأستراليا وأوقيانوسيا. يُزعم أنّه في هذه المناطق لا يمكن أن توجد إلّا رعايا كنيسة القسطنطينيّة، وتوجد كنائس محلّيّة أخرى هناك بشكل غير قانونيّ. علاوة على ذلك، على سبيل المثال، إذا كان أسقف أو كاهن من أي كنيسة محلّيّة يخدم في الشتات يرغب في الانتقال إلى بطريركيّة القسطنطينيّة، فمن المفترض أنّه لا يحتاج إلى بيان وضع، لأنّه في الواقع، حتّى قبل الانتقال، كان بالفعل أسقفًا أو كاهنًا في بطريركيّة القسطنطينيّة، ولكنّه لم يكن يدرك ذلك [66].

تشمل مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة، أيضًا، البلدان التي لم تكن فيها مؤسّسات هذه البطريركيّة موجودة، أبدًا، وحيث لم يبّشر مبّشرو كنيسة القسطنطينيّة مطلقًا، على سبيل المثال، اليابان والصين.

من المعروف أنّ إنشاء الأرثوذكسيّة في اليابان يرتبط حصريًّا بعمل القدّيس نيقولاوس اليابانيّ وغيره من المبّشرين البارزين في الكنيسة الأرثوذكسّية الروسيّة. في العام 1970، حصلت الكنيسة الأرثوذكسيّة اليابانيّة على الحكم الذاتيّ من بطريركيّة موسكو، لكنّ القسطنطينيّة لم تعترف بهذا الفعل، فحسب، بل أعلنت، أيضًا، حقوقها في هذه المنطقة. وبالتالي، ففي العام 1971، كتب قائم مؤقَّت على العرش البطريركيّ، المتروبوليت بيمنوس (لاحقًا بطريرك موسكو وسائر روسيا) في رسالة إلى البطريرك أثيناغوراس: "التناقض الأساسيّ بين العمل للمجمع المقدّس للبطريركيّة المسكونية والقانون الكنسيّ الأرثوذكسيّ وممارسة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة" [67].

مع ذلك، ففي العام 2004، منحت بطريركيّة القسطنطينيّة مطرانها الكوريّ لقب "إكسارخوس اليابان"، على الرغم من عدم الوجود الفعليّ لأبناء رعيّته في هذا البلد.

ترتبط نظريّة الحقّ الحصريّ لبطريركيّة القسطنطينيّة في رعاية الشتات الأرثوذكسيّ، أيضًا، بقرار مجمع كنيسة القسطنطينيّة بضمّ جمهوريّة الصين الشعبيّة داخل حدود مدينة هونغ كونغ (كلاهما في العام 1996، عندما تمّ تأسيسها، وفي العام 2008، عندما فُصلت مطرانيّة سنغافورة عنها)، على الرغم من وجود الكنيسة الأرثوذكسيّة المستقلّة في الصين تحت رعاية بطريركيّة موسكو.

أعلن المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في الخامس عشر من نيسان من العام 2008 بما يلي: "إنّ الروابط الروحيّة التي تمتدّ لقرون بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والصين، حيث تمّ من خلال جهودها بناء عشرات الكنائس الأرثوذكسيّة وترجمة الكتب المقدّسة والليتورجيّة إلى اللغة الصينيّة، وربوات شهود لربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح حتّى الموت، يُلزمون الآن المجمع المقدّس بالتحدّث دفاعًا عن حقوق أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة الصينيّة المحروسة بالله، والذي أضعفته التجارب الصعبة التي مرّ بها ، ونعلن الظلم وعدم الشرعيّة القانونيّة لقرار كرسي القسطنطينيّة، الذي يضرّ بسلام كنائس الله المقدّسة" [68].

من المستحيل الموافقة، بشكل قاطع، على مطالبات بطريركيّة القسطنطينيّة بالحقّ الحصريّ في رعايّة المؤمنين الأرثوذكس في الشتات. لا تتمتّع أي كنيسة أرثوذكسيّة محلّيّة بحقوق خاصّة وحصريّة وشاملة للولايّة القضائيّة على كامل الشتات الأرثوذكسيّ. على العكس من ذلك، تتحمّل كلّ كنيسة محلّيّة مسؤوليّة رعويّة مباشرة عن أبنائها في الشتات إذا كانوا خارج الحدود القانونيّة للكنائس المحلّيّة الأخرى. ووفقًا للقانون 99 (112) من مجمع قرطاجة، "يجب على الأساقفة... أن يحتفظوا بالسلطة على الأشخاص الذين تحوّلوا إلى الإيمان والذين كانوا تحت مسؤوليّتهم". 

أصبح تعليم القسطنطينيّة الجديد حول حقوقها القانونيّة الحصريّة في الشتات مصدرًا للصراعات داخل كنيسة المسيح. لذلك، منذ البدايّة، وفي إطار التحضير للمجمع الأرثوذكسيّ الكبير، تمّ إدراج قضيّة الشتات ضمن المواضيع. في المؤتمر الرابع قبل المجمع الأرثوذكسيّ العام 2009، تقرّر إنشاء جمعيّات أسقفيّة في كلّ منطقة من بلدان الشتات تضمّ "جميع الأساقفة المعترف بهم قانونيًّا في منطقة معيّنة، والذين سيستمرّون في الخضوع للسلطات القضائيّة القانونيةّ التي ينتمون إليها" [69]. ويرأس الاجتماعات أوّل الأساقفة التابعين لكنيسة القسطنطينيّة، وفي حالة غيابه، أكبر من أساقفة الكنائس المحلّيّة، حسب ترتيب الذبتيخا.

اعتبرت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة المجامع الأسقفيّة في الشتات كهيئات استشاريّة تهدف إلى تنسيق أعمال أساقفة من مختلف الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة دون التقليل باستقلالها بأي حال من الأحوال [70]. ومع ذلك، بالنسبة للقسطنطينيّة، فإنّ إنشاء مثل هذه المجالس الأسقفيّة هو خطوة نحو الإلغاء التدريجيّ لوجود الكنائس المحلّيّة في الشتات. في عدد من البلدان، أخذ ممثّلو بطريركيّة القسطنطينيّة على عاتقهم مهام تمثيل جميع الكنائس المحلّيّة أمام الدولة والإدلاء ببيانات عامّة نيابة عنها، وغالبًا ما يكون ذلك من دون موافقتها.

9.    الخلاصة

إنّ الأفكار حول مفهوم الإكليسيولوجيا الجديدة لبطريركيّة القسطنطينيّة تتعارض بشكل واضح مع التقليد الأرثوذكسيّ والأحكام القانونيّة، ونتيجة لذلك تجبر بطريركيّة القسطنطينيّة على التشكيك في هذا التقليد نفسه والمطالبة بمراجعته. وقد صرّح البطريرك برثلماوس: "يجب علينا، نحن المسيحيّين الأرثوذكس، أن نخضع أنفسنا للنقد الذاتيّ ونعيد النظر في الإكليسيولوجيا إذا كنّا لا نريد أن نصبح اتّحادًا للكنائس البروتستانتيّة".[71] لتجنب هذا التهديد البعيد المنال من الضروريّ، على حدّ تعبيره، أن ندرك بشكل عاجل أنّه في الأرثوذكسية المسكونيّة غير القابلة للتجزئة يوجد "أوّل" واحد، ليس من حيث الشرف، وحسب، وإنّما أيضًا "أوّل" ذو واجبات خاصّة وامتيازات قانونيّة في السلطة التي قد تمنحها المجامع المسكونيّة" [72].

فنحن ندين ولا نقبل الأحكام النظريّة لمفهوم الإكليسيولوجيا الجديدة لبطريركيّة القسطنطينيّة، وكذلك الإجراءات العمليّة الخارجة عن القانون المتّخذة من أجل إدخال هذا المفهوم في حياة الكنيسة الحديثة. هذه الأحكام والإجراءات لا تتوافق مع التقليد الأرثوذكسيّ، وتدكّ الأسس القانونيّة للكنيسة الجامعة، وتسبّب ضررًا جسيمًا لوحدة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة.

نصلّي من أجل الحفاظ على الكنيسة الأرثوذكسيّة في الوحدة والأرثوذكسيّة، الموجودة في جميع أنحاء العالم، نحن أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، ندعو أصحاب الغبطة والقداسة رؤساء كنائس الله المقدّسة، ورفاقنا الكهنة الأرثوذكس والكهنة والشمامسة المحبّين لله، والرهبان الأوفياء والعلمانيّين الأتّقياء، الذين يشكّلون معًا ملء كنيسة المسيح الجامعة، المشاركة في الصلاة الحارّة للربّ يسوع، الرأس الحقيقيّ الوحيد لكنيسته، ليجمع المنقسمين بإرادة الآب السماويّ ونعمة الروح القدس، وليطرد كلّ البدع والانقسامات من سياج الأرثوذكسيّة المقدّسة، وليلغى العداوة ويُخجل كلّ الأكاذيب، حتّى بفم واحد وقلب واحد نمجّد اسم الثالوث القدّوس للآب والابن والروح القدس في الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرسوليّة، آمين.



[1]  انظر النشر

 «Το Οικουμενικό Πατριαρχείο στην Λιθουανία» (https://fosfanariou.gr/index.php/2023/03/21/to-ecun-patriarxeio-stin-lithouania/)

[2]  القدّيس الشهيد قبريانوس القرطاجيّ. كتاب عن وحدة الكنيسة.

 

[3]  القدّيس الشهيد أغناطيوس الأنطاكيّ. الرسالة إلى سميرنا 8، 2.

 

[4]  القدّيس الشهيد إيريناوس ليون. ضدّ الهرطاقات 2، 24، 1.

 

[5]  موقف بطريركيّة موسكو حول مسألة الأولويّة في الكنيسة الجامعة، الفقرة 2 (3).

 

 

[6]   الأرشمندريت بندلايمون (مانوساكيس)، أستاذ في معهد الصليب المقدّس (الولايات الأمريكيّة المتّحدة):

 

Manoussakis, John Panteleimon. Primacy and Ecclesiology: The State of the Question // Orthodox Constructions of the West. Ed. by G.E. Demacopoulos and A. Papanikolaou. New York: Fordham University Press, 2013. Р. 229, 232.

 

[7]  المتروبوليت إلبيذوفوروس (لامبرينياديس).Primus sine paribus 

الردّ على موقف بطريركيّة موسكو حول مسألة الأولويّة في الكنيسة الجامعة.

 

[8]  انظر إلى

المتروبوليت إلبيذوفوروس (لامبرينياديس).Primus sine paribus:

 

لقد فهمت الكنيسة دائمًا، وبشكل منهجيّ، شخصيّة الآب باعتباره الأولويّ ("ملكية الآب") في شركة أقانيم الثالوث القدّوس. وإذا اتّبعنا منطق نصّ المجمع الروسيّ، لوجب علينا أن نؤكّد أن الله الآب الذي لا بداية له ليس السبب للألوهيّة والأبوّة... بل يصبح متلقّيًا أولويّته. من أين؟ من شخصيّتين آخرين من الثالوث القدّوس؟"

 

[9]  عظة المطران إلبيذوفوروس متروبوليت أمريكا في كنيسة القدّيس برثلماوس. نيويورك، 10 حزيران 2023



[10]  "لا يعقل أن تنقطع الكنيسة المحلّيّة، وخاصّة تلك الكنيسة التي نالت ما هي عليه بفضل مبادرات وأعمال البطريركيّة المسكونيّة، عن الشركة معها، لأنّ تنبع منها قانونيّة وجودها".

(أمفيلوخيوس، متروبوليت أدريانوبوليس. "بإنكار البطريركيّة المسكونيّة، تنكر مصدر وجودك" – orthodoxia.info

[11]  "تتمتّع البطريركية المسكونيّة بالصلاحيّة القانونيّة وجميع الامتيازات الرسوليّة، وتتحمّل مسؤوليّة الحفاظ على وحدة الكنائس المحلّيّة وشركتها" (الكلمة الافتتاحيّة لبطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في اجتماع مطارنة بطريركيّة القسطنطينيّة في 1 أيلول 2018).

 

[12]  المتروبوليت إلبيذوفوروس (لامبرينياديس).Primus sine paribus 

الردّ على موقف بطريركيّة موسكو حول مسألة الأولويّة في الكنيسة الجامعة.

 

[13]  كلمة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في مؤتمر "ردّ فعل الكنائس والطوائف الدينيّة على الحرب والنزاع". فيلنيوس، 22 آذار 2023

 

[14]  الكلمة الافتتاحيّة لبطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في اجتماع مطارنة بطريركيّة القسطنطينيّة في 1 أيلول 2018

[15] Ibid



[16]  كلمة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في صلاة الغروب في كنيسة القدّيس أندراوس في كييف في 21 آب 2021.

[17]  رسالة من بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس إلى غبطة رئيس أساقفة ألبانيا أنسطاسيوس بتاريخ 20 شباط 2019

[18]  كلمة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس في حفل منح لقب الدكتوراه الفخريّة لأكاديميّة كييف في 22 آب 2021.



[19]  Jannis Spiteris. La Critica Bizantina del Primato Romano nel secolo XII. Roma, 1979 (Or. Chr. Ap. 208). P. 325-326.



[20]  Ἴ. Καρμίρη. Τὰ δογματικὰ καὶ συμβολικὰ μνημεῖα... Graz, 1968. Τ. ΙΙ. Σ. 560 (640).



[21]  Ἴ. Καρμίρη. Τὰ δογματικὰ καὶ συμβολικὰ μνημεῖα... Σ. 927-930 (1007-1010).



[22] Ἴ. Καρμίρη. Τὰ δογματικὰ καὶ συμβολικὰ μνημεῖα... Σ. 939-940 (1025-1026).



[23]  القدّيس الشهيد غورازاد براغ. 1168 سؤال وجواب حول العقيدة الأرثوذكسيّة. 343، 388

"لا يمكن للإنسان أن يكون رأس كنيسة المسيح... إنّ عقيدة الضرورة الحتميّة لوجود أعلى رأس مرئيّ لكنيسة المسيح بأكملها، ظهرت نتيجة الانحدار الكبير في الإيمان برأس الكنيسة غير المرئيّ، أي في الربّ يسوع المسيح، وفي حضوره وعمله في الكنيسة، وأيضاً بسبب تقليل المحبّة إليه.



[24]  بيان المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسية الرقم 60 بتاريخ 23-24 أيلول 2021

[25]  اقتباس من قرار المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة بتاريخ 11 تشرين الأوّل 2018 بشأن قبول فيلاريت دينيسينكو ومكاريوس ماليتيتش في الشركة الإفخارستيّة.

 

[26]  القانون التاسع للمجمع المسكونيّ الرابع: 

"اذا اختصم إكليريكيّ مع آخر، فعليه أن يرفع شكواه إلى الأسقف ولا يلجأ إلى المحاكم المدنيّة. ولكن يجوز عرض الدعوى على محكّمين يختارهم الفريقان بموافقة الأسقف. وكلّ من سلك خلاف هذا المسلك يتعرّض للعقوبات القانونيّة. أمّا اذا وقع الخلاف بين إكليريكيّ وأسقفه أو بينه وبين أسقف آخر فلينظر في الدعوى مجمع الأبرشيّة. واذا كان الخلاف بين أسقف أو أحد الإ كليريكيّين ومتروبوليت الأبرشيّة نفسه فليرفع دعواه إلى إكسارخوس الأبرشيّة أو إلى الكرسي البطريركيّ في القسطنطينيّة المدينة الملكيّة وهناك ينظر في الدعوى".



[27]  من تفسير القانون 17 للمجمع المسكونيّ الرابع. انظر: الأسقف نيقوديموس (ميلاش).



[28]  "البيذاليون"، تفسير القانون 9 من المجمع المسكونيّ الرابع.

 

[29]

Εγκύκλιος της μιας αγίας καθολικής και αποστολικής εκκλησίας επιστολή προς τους απανταχούορθοδόξους. Εν Κωνσταντινουπόλει, 1848. (§ 14)

[30]  في الوقت نفسه، خلع التائبون عن الانقسام علنًا إنغولبيون السيّدة وهي علامات كرامة الأسقف.



[31]  وعلى الرغم من أهمّيّة مجمع صوفيا العام 1998، تجدر الإشارة إلى أنّ منصب البطريرك برثلماوس الذي ترأسه، لم يتميّز بالنقاوة القانونيّة. دافع الرئيس عن قبول "الأساقفة" الذين حصلوا على الرسامة في الانشقاق من الأشخاص دون الرتبة والمطرودين من الكنيسة دون أي ظروف، في حين أيّد غالبية المشاركين في المجمع قبولهم من خلال الرسامة القانونيّة. وينعكس هذا الموقف في الرأي الخاصّ للمجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بشأن قرارات مجلس رؤساء وأساقفة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة في صوفيا.

 

[32]  انظر القانون 5 لمجمع سرديقية.



[33]  القانون 14 لمجمع سرديقية:

"قال الأسقف هوسيوس: يجب ألّا أهمل الكلام في قضيّة تدعوني دومًا إلى البحث فيها. أي أسقف تسرّع في غضبه وثار، فجأة، يريد طرد قسّ أو شمّاس من الكنيسة، يجب أن يضع حدًّا فلا يصدر حكمًا بسرعة ضدّ هذا ويحرمه من الشركة". 

 

القانون 29 (39) لمجمع قرطاج:

"وقد استحسن المجمع، أيضًا، أنّ كلّ من قُطع من الشركة لأي سبب من أسباب التهاون سيّان كان من أساقفة وأكليريكيّين، وتجاسر أثناء وقوعه تحت الحكم، أو قبل أن تسمع دعواه، وتناول من الشركة فيعتبر بمجرد هذا العمل أنّه قد لفظ الحكم على نفسه".

 

[34]  القانون 15 لمجمع أنطاكيّة:

"أي أسقف صدرت بحقّه تهمة يجب أن يدعي إلى المحكمة أمام أساقفة الأبرشيّة، وإذا أجمعت كلمتهم على الحكم بشأنه، لا يجوز أن تستأنف محكمته أمام آخرين. فإنّ كلّ حكم يصدر بأجماع رأي أساقفة الأبرشيّة هو حكم لا ينقض".

 

القانون 105(118) لمجمع قرطاج:

"إذا منع أحد من الشركة في أفريقيا فسافر عبر البحر للشركة يجب تجريده من الرتبة الإكليريكيّة".

 

[35]  رسالة من بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس إلى بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل رقم 1119 بتاريخ 24 كانون الأوّل 2018.

 

[36]  بيان صادر عن الأمانة العامّة للمجمع المقدّس لبطريركية القسطنطينيّة بتاريخ 17 شباط 2023 بشأن نداء الكهنة من ليتوانيا.

 

[37]  بيان حول أعمال المجمع المقدّس لبطريركية القسطنطينيّة بتاريخ 28 حزيران 2023.

 

 

[38]  توفي 2022.

 

 

 [39] قداسة بطريرك صربيا بورفيريوس "البيان فيما يتعلّق بإرهاب الدولة ضدّ الكنيسة الأرثوذكسّية الأوكرانّية"، 28 آذار 2023.

 

[40]  رسالة من مكتب المجلس المقدّس لأساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة البولنديّة بتاريخ 2 نيسان 2019.

 

[41]  بيانات دورات المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة رقم 125 بتاريخ 17 تشرين الأوّل 2019؛ رقم 151 بتاريخ 26 كانون الأوّل 2019؛ رقم 77 بتاريخ 20 تشرين الثاني 2020

 

[42]  في السابق، تمّ "إعادة" رتبة الكهنة السابقين هؤلاء، الذين حرمهم محكمة الكنيسة، إلى رتبتهم من قبل مجمع بطريركيّة القسطنطينيّة (انظر أعلاه، الفصل 2).

 

[43]  انظر 12، 15، 32، 33 قوانين الرسول؛ 15، 16 قوانين المجمع المسكونيّ الأول؛ 5، 6، 10، 11، 13، 20، 23 قوانين المجمع المسكونيّ الرابع؛ 17، 18 قوانين مجلس ترولو؛ 10 قانون المجمع المسكونيّ السابع؛ 3، 6 قانون مجمع أنطاكية؛ 20، 23 (32)، 105 (118)، 106 (119-120) قوانين مجمع قرطاجة.

 

[44]  قوانين المجامع المسكونيّة المقدّسة مع التفسيرات. موسكو، 2011. ص 665-666.

 

[45]  انظر الفصل 2 أعلاه.

 

[46]  قوانين المجامع المسكونيّة المقدّسة مع التفسيرات. ص341.



[47]  القانون 8 للمجمع المسكوني الثالث:

"لتكن للقائمين على الكنائس القبرصيّة المقدّسة الحرّيّة، دون مطالبات لهم، ودون إكراه، وفقا لقواعد الآباء القدّيسين، وحسب التقليد القديم، في تعيين الأساقفة المحترمين"

 

[48]  قرّر مجمع القسطنطينيّة عام 1593 أنّ رئيس الكنيسة الروسيّة "يكون ويُسمّى أخًا للبطاركة الأرثوذكس، وفقًا لقوّة هذه الرتبة، مشاركًا في الرتبة وشريكًا في العرش ومتساويًا في الرتبة والكرامة، ليُكتب اسمه وتوقيعه حسب عادة البطاركة الأرثوذكس: "بطريرك موسكو وسائر روسيا وبلاد الشمال" (أعمال مجمع القسطنطينيّة 1593).

 

[49]  رسالة من بطريرك القسطنطينيّة أثيناغوروس إلى القائم بأعمال العرش البطريركيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، المتروبوليت بيمينوس رقم 583، بتاريخ 24 حزيران 1970.

[50]  مقابلة مع متروبوليت بروسيا إلبيذوفوروس (لامبرينياديس) لوسيلة الإعلام المقدونيّة، تمّوز 2018.

 

[51]  انظر إلى توموس استقلال الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة في عام 1879: "من الآن فصاعدًا، ستكون الكنيسة الأرثوذكسيّة الصربيّة مستقلّة قانونيًّا وذاتيّة الحكم، ورأسها، مثل جميع الكنائس الأرثوذكسيّة، هو الربّ الإله والإنسان ومخلّصنا يسوع المسيح".

 

[52]  وقد تمّ انتقاد هذه النقطة الخاصّة بالتوموس في بيان صادر عن أمانة سرّ المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الألبانيّة بتاريخ 15 تشرين الثاني 2022. وينصّ بيان الكنيسة الألبانيّة على أنّ التوموس الممنوح لها لا يحتوي على كلام حول الاعتراف من قبل رأس الكرسي المسكونيّ، والكنيسة الألبانيّة نفسها تسمّى "أخت"، بينما تسمّى "الكنيسة الأورثوذكسيّة في أوكرانيا" – "ابنة" في توموس.

وبهذا الصدد يكتب مطران من الكنيسة الأرثوذكسيّة البلغاريّة: "هذا لا يعني بعض الأولويّة الرمزيّة لبطريرك القسطنطينيةّ أو الأولويّة بمعنى الأوّل بين متساوين. بل في التوموس، ترتبط مسألة الأولويّة بالسلطات الحصريّة لرئيس أساقفة القسطنطينيّة على الكنيسة الأرثوذكسيّة بأكملها... من خلال شروط توموس، جرت محاولة لإعطاء القوّة القانونيّة الأرثوذكسيّة الشاملة إلى تصرّفات بطريركيّة القسطنطينيّة المناهضة للقانون في القضيّة الأوكرانيّة والسلطات المعلنة للولاية القضائيّة فوق الحدود على الأراضيّ القانونيّة للكنائس المحلّيّة المستقلةّ (المتروبوليت دانييل من الكنيسة البلغاريّة، موسكو2021، ص 25، 38).

 

[53]  "من المؤسف أنّه في حالة الاستقلال الأوكرانيّ، يرفض البطريرك المسكونيّ دوره التنسيقيّ المعترف به تقليديًّا، والذي يتضمّن تعبير وتنفيذ القرارات المجمعيّة للكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، وبالتالي يرفض عقد مجلس أرثوذكسيّ عام أو مجلس رؤساء الكنائس".

 

[54]  كلام متروبوليت كيكوس وتيليريا نيكيفورس من تصريحه في مؤتمر في موسكو في 16 أيلول 2021. انظر كتاب: الأرثوذكسية العالميّة: الأولويّة والمجمعيّة في ضوء العقيدة الأرثوذكسيّة. موسكو، 2023. ص268.

 

[55]  "  أي أسقف بعد صدور شرائع الوحدة، استردّ موضعًا إلى الوحدة الكاثوليكيّة وبقي تحت رعايته ثلاث سنوات بدون معارضة فلا ينزع منه بعد ذلك. وإذا كان لأحد الأساقفة حقّ بادعائه ولكنّه لم يحرّك ساكنًا كلّ مدّة سنوات الثلاث فقد أضاع الفرصة".

 

[56]  "الرعايا في كلّ أبرشيةّ يجب أن تظلّ دائمًا تحت سلطة الأساقفة المسؤولين عنها، وخاصّة إذا كانت بلا شكّ تحت سلطتهم وإدارتهم لمدّة ثلاثين عامًا"

 

[57]  توموس بطريرك القسطنطينيّة ميليتيوس الرابع // الأرثوذكسية في إستونيا. الأبحاث والوثائق. الموسوعة الأرثوذكسيّة، 2010. 2. ص42-45.

 

[58]  قرار بطريرك القسطنطينيّة ديمتريوس والمجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينيّة بتاريخ 3 نيسان 1978 بشأن إنهاء توموس البطريرك ميليتيوس الرابع القسطنطينيّ عام 1923 // الأرثوذكسيّة في إستونيا. ص 207-208؛ رسالة من بطريرك القسطنطينيّة ديمتريوس إلى متروبوليت السويد وسائر الدول الاسكندنافيّة بولس في ٣ أيّار 1978 // الأرثوذكسيّة في إستونيا. ص 208-209.

 

[59]  القرار البطريركيّ والمجمعيّ لبطريركيّة القسطنطينيّة بشأن تجديد التوموس البطريركيّ والمجمعيّ لعام 1923 بشأن العاصمة الإستونيّة الأرثوذكسيّة // الأرثوذكسيّة في إستونيا. ص 314-317.

 

[60]  انظر:

 نيقفوروس، متروبوليت كيكوس وتيليريا. "المسألة الأوكرانيّة الحديثة وحلّها وفق الشرائع الإلهيّة والمقدّسة. موسكو، 2021. ص 32. هناك أيضًا الكثير من الأدلّة على هذا الاعتراف من جانب كنيسة القسطنطينيّة (ص 32-42).

 

[61]  فليُحفظ ذلك في مناطق أخرى وفي كلّ مكان في الأبرشيّات، حتّى لا يمدّ أي من الأساقفة الأكثر محبّة لله سلطته إلى أبرشيّة تابعة لأسقف آخر... لكي لا تنتهك قوانين الآباء، ولا تزحف غطرسة السلطة الدنيويّة تحت ستار الطقوس المقدّسة، ودعونا لا نفقد تدريجيًّا، وبشكل غير محسوس، تلك الحرّيّة التي أعطانا إياها ربّنا يسوع المسيح، الذي قد حرّر جميع البشر بدمّه.

 

[62]  من رسالة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس إلى متروبوليت خريستوفروس مطران الأراضي التشيكيّة وسلوفاكيا رقم 102 بتاريخ 4 شباط 2012 (بمناسبة الاحتفال في براغ بالذكرى الستّين لاستقلال الكنيسة الأرثوذكسيّة التشيكيّة الأراضي وسلوفاكيا): "في حال تكرار أحداث مماثلة للاحتفال بما يعتبر معدومًا ومنذ البدايّة، فإنّ الاستقلال الذاتيّ الذي فرضه حينها فعل بطريركيّة موسكو على كنيسة الأراضي التشيكيّة التي نعتبرها غير صالحة، وستضطرّ البطريركيّة المسكونيّة، مع الأسف، إلى إلغاء الاستقلال القانونيّ الممنوح لكنيستكم منذ أربعة عشر عامًا، وإعادة إلى كنيسة الأراضي التشيكيّة وسلوفاكيا وضع الكنيسة لديها الحكم الذاتيّ التي كانت قبل هذا العمل القانونيّ وإلغاءها من الذبتيخا المقدّسة للكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة حيث تحتلّ المكان الرابع عشر، وأخطر جميع الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة بهذا الفعل".

 

[63] Anastassiadis A. Un «Vatican anglicano-orthodoxe» а Constantinople?: Relations interconfessionnelles, rêves impériaux et enjeux de pouvoir en Méditerranée orientale а la fin de la Grande Guerre // Voisinages fragiles: Les relations interconfessionnelles dans le Sud-Est européen et la Méditerrannée orientale 1854-1923: Contraintes locales et enjeux internationaux / Éd. A. Anastassiadis. Athènes, 2013. P. 283-302.

 

[64] Ἐκκλησιαστικὴ Ἀλήθεια. 1922. Σ. 130.

 

[65]  خاصّة، في عام 1993، عندما قرّرت بطريركيّة القدس استعادة الأبرشيّة الموجودة سابقًا في أستراليا وعيّنت إكسارخوسًا هناك، تسبّب هذا القرار في ردّ فعل حادّ للغاية من بطريركيّة القسطنطينيّة: في اجتماع مجمع كنيسة القسطنطينية في إسطنبول في الفترة من 30 إلى 31 تمّوز 1993، بمشاركة رئيسي الكنيستين الإسكندريّة واليونانيّة، بالإضافة إلى ممثّلين عن الكنيسة القبرصيّة، واثنين من أساقفة بطريركيّة القدس، وحرموا من رتبهم المقدّسة، والبطريرك أدين بطريرك القدس ديودوروس بتهمة "الانتهاك التدنيسيّ" للشرائع المقدّسة وإغواء الشعب اليونانيّ وتقسيمه. وتمّ إيقاف إحياء ذكراه في ذبتيخا كنيسة القسطنطينيّة، ولكن "بالرحمة والمحبّة للبشريّة" مُنح وقتًا للتوبة وإلغاء قرار إنشاء إكسارخوسيّة بطريركيّة القدس في أستراليا تحت التهديد بتجريد من رتبته. في ظلّ الظروف الحاليّة، اضطرّ البطريرك ديودوروس إلى التخلّي عن تنظيم الإكسارخوسيّة في أستراليا وبلدان الشتات الأخرى، وبعد ذلك تمّ استئناف إحياء ذكراه في ذبيتخا كنيسة القسطنطينيّة، وأعيد الأساقفة المعزولين إلى رتبهم.

 انظر: كنيسة القسطنطينيّة الأرثوذكسيّة // الموسوعة الأرثوذكسيّة. موسكو، 2015. 37. ص289.

 

[66]  تم تطبيق هذا المنطق من قبل القسطنطينيّة، على وجه الخصوص، أثناء انتقال الأسقف السابق باسيليوس (أوزبورن) الذي كان مطران بمنطقة سرجيوس، وتمّ قبوله في بطريركيّة القسطنطينيّة في العام 2006 دون بيان وضع من الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة (في عام 2010، من قبل المجمع المقدّس لبطريركيّة القسطنطينية، تمّ عزل الأسقف باسيليوس من رتبته ورهبنته بسبب قراره بالزواج).

 

[67]  رسالة من القائم بأعمال الكرسيّ البطريركي في موسكو المتروبوليت بيمينوس إلى بطريرك القسطنطينيّة أثيناغوراس رقم 85 بتاريخ 14 كانون الثاني 1971.

 

[68]  بيان المجمع المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بتاريخ 15 نيسان 2008.

 

[69]  بيان المؤتمر الأرثوذكسيّ الرابع قبل المجمعيّ "الشتات الأرثوذكسيّ. الحلّ"، شامبيزي، 2009.

 

[70]  تمّ إنهاء مشاركة أساقفة الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في هذه الاجتماعات وفقًا لبيان المجمع المقدّس فيما يتعلّق بالغزو غير القانونيّ لبطريركية القسطنطينيّة على الأراضي القانونيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بتاريخ 14 أيلول 2018.

 

[71]  مقابلة بطريرك القسطنطينيّة برثلماوس لصحيفة "إثنيكوس كيريكس" 13 تشرين الثاني 2020.

 

[72]  Ibid

 

 

Повратна информација

Обележена поља * обавезна су за попуњавање

Послати поруку
Рус Укр Eng Deu Ελλ Fra Ita Бълг ქარ Срп Rom عرب