المطران نيكيفورس (متروبوليت كيكوس): القرار الفردي للبطريرك برثلماوس بشأن أوكرانيا يهدد الوحدة الأرثوذكسية بانقسام كبير
في إطار مؤتمر "الأرثوذكسية العالمية: الأولويّة والمجمعيّة في ضوء العقيدة الأرثوذكسية"، الذي عُقد في كاتدرائية المسيح المخلص وسط العاصمة الروسية موسكو في السادس عشر من سبتمبر أيلول من العام 2021، تشارك كلٌّ من المتروبوليت نيكوفوروس متروبوليت كيكوس والمتروبوليت أشعيا متروبوليت تاماسوس وأوريني (من الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية) بتقديم تقريرٍ مشتركٍ بهدف عرضه أمام المشاركين.
قبل بدايته، توجّه المطران أشعيا متروبوليت تاماسوس وأوريني للمشاركين في المؤتمر بتحيّة قائلًا: " قداستكم، سيادتكم، أعزائي المشاركين في المؤتمر! أودُّ أن أشكركم على دعوتكم الكريمة لي ولسيادة المتروبوليت نيكوفوروس متروبوليت كيكوس للمشاركة في هذا المؤتمر اللاهوتي المهم. لقد قررنا سويّةً بتقديم تقرير مشتركٍ، يستندُ إلى الكتابِ الذي نُشر مؤخرًا لسيادة الميتروبوليت نيكوفوروس، والذي سلّط الضوء على المشكلة الأوكرانية الحديثة على أساس القوانين الكنسيّة المقدسة. يذكر أن هذا الكتاب قد تمت ترجمة مؤخرًا إلى اللغة الروسية. ... بالنسبة لي وللميتروبوليت نيكوفوروس كما ولغيرنا من الأساقفة القبارصة، فإنه ليس من السهل، على الإطلاق، الكتابةُ أو التحدثُ أوالإدلاءُ بشكل علني حول هذا الموضوع الحساس، لأن الأحداث الجيوسياسية، كما تعلمون، تُجبر قبرص على اتّباع التيّار الرئيسي لـ السياسة الأوروبية الأمريكية بكل ما تنطوي عليه من عواقب. بالرغم من ذلك نحن، كما ترون، نتكلّم ونكتب ونتوسّل إلى الله أن نفصّل باستقام كلمة الحق كما يخبرنا ضميرنا الأسقفي، رغم ما يترتب علينا من عواقب سلبية. لن أطيل عليكم، سأقدم لكم بعض من أفكار المطران نيكوفوروس، آملاً أن يتشفّع شهداء وجميع قديسي قبرص وروسيا أمام ربنا يسوع المسيح ووالدة الإله الفائقة القداسة من أجل وحدة الكنيسة الأرثوذكسيّة ولإيجاد حل سريع لهذه المشكلة الكنسيّة الخطيرة التي لم ينبغي لها أن تولد في الأساس.
قرأ الأرشمندريت سيرافيم (غافريكوف) التقرير، الذي يرد نصه أدناه.
الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة اليوم في حالة أزمة وانقسام بسبب قضية الكنيسة الأوكرانية. القضية التي أشعلتها كنيسة القسطنطينية بإعطائها طومس "الإستقلال الذاتي" للكيان الإنشقاقي في أوكرانيا وذلك ضد إرادة البطريركية الأرثوذكسية الروسية التي تعتبر قانونياً، الكنيسة الأم لمنطقة الكنيسة الأرثوذكسية في إقليم أوكرانيا.
المشكلة الرئيسية التي سنحللها في هذا البحث هي ما إذا كانت أوكرانيا قد مُنحت هذا "الإستقلال الذاتي" بشكل قانوني أم بشكل خاطئ.
ولكن قبل الانتقال إلى مناقشة هذا الموضوع، نود أن نبدي احترامنا وتكريمنا الشديدين لبطركيّة القسطنطينيّة المقدّسة التي ساهمت بشكل فريدٍ ومنقطعِ النظير في كنيستنا الواحدة الجامعة الرسولية.
إن البطريرك المسكوني بصفته رئيس الكرسي الأول للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة فإن له الحق (كما كان وسيكون) في كل مما يلي:
الرئاسة الفخرية على جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة باعتباره "الأول بين متساويين (primus inter pares) باللغة اللاتينية.
1- التنسيق بين الكنائس الأرثوذكسية في القضايا الحاسمة ذات الاهتمام الأرثوذكسي.
2- البت وتنفيذ جميع القرارات التي تمَّ إقرارُها في المجامع الأرثوذكسية، أو في اجتماعات ممثلي الكنائس المحليّة.
3- منح الاستقلال الذاتي والاستقلاليّة، شرط موافقة ورضا جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة الأخرى.
4- وأخيراً، البطريرك المسكوني، بصفته رئيس الكرسي الأول للكنيسة الأرثوذكسية، فهو بذلك يكون الحارس والضامن الدائم للقانون الكنسي ولتنظيم العمل المجمعي الديموقراطي الاورثوذكسي (σύστημα).
أيُ تفسيرٍ خاطئٍ أو أيُ محاولةٍ لتغيير الامتيازات المذكورة أعلاه "لشرف" البطريركية المسكونية إلى "أولوية للسلطة" هي تشويه للإكليسيولوجيا الأرثوذكسية، وتدميرٌ لدستورها الديموقراطي والمجمعي، وتقديم حكم الرجل الواحد للسلطة بروح بابويةٍ، وتعتبر تحويل للبطريرك المسكوني إلى بابا المشرق، الذي سيقوم ex cathedra (من عرشه الاسقفي) بالإقرارعن موقف الكنيسة الأرثوذكسية، صارفاً النظر على رأي رؤساء الكنائس المحلية الأرثوذكس الآخرين. في مثل هذه الحالة، لا يمكن لأي أسقف من الكنيسة الأرثوذكسية أن يبقى غير مبالٍ. إن من واجبه أن يحوّل القلق السلبي الذي لديه إلى عملٍ مسؤول، واجبه أن يعلو فوق نفسه، ويسترشد بضميره الأسقفي، ويقاوم بلا خوف أيُّ اتنهاكٍ، لأن هذا الانتهاك موجه ضد مجمعيّة الكنيسة الأرثوذكسية ويهدد انقسام الكنيسة المسكونية بأكملها.
بدون أي شك إن القرار الأحادي الجانب الذي اتخذه البطريرك المسكوني بارثولماوس بمنحه وضع "الكنيسة المستقلة" للكيان الإنشقاقي المؤلف من رجال دين كذبة (مزيفين) غير تائبين، مخلوعين، محرومين من الخدمة وغير ممارس عليهم سر وضع الأيدي (الكهنوت)، متجاهلاً في الوقت نفسه الكنيسة القانونية الأوكرانية الخاضعة لسلطة الميتروبوليت أونوفريوس، هو قرارٌ يخلق مشكلة أرثوذكسية هائلة تهدد الوحدة الأورثوذكسية بانقسامٍ كبير.
وهكذا، منذ أكثر من ثلاثمئةٍ وثلاثين عاماً وحتى يومنا هذا، اعترفت جميع الكنائس الأرثوذكسية المستقلة، دون أي اعتراض أوتحفظ، أن الكنيسة الأوكرانية من الناحية الكنسية تابعة قانونياً لبطريركية موسكو، وليس للقسطنطينية المسكونية.
علاوة على ذلك، أعرب البطريرك المسكوني برثلماوس بنفسه، في خطابه أمام الشعب الأوكراني في 26 يوليو- تموز من العام 2008، عن هذه القناعة الكنسيّة العامة وهي أن أوكرانيا قد تم تسليمها من قبل البطريركية المسكونية إلى بطركية موسكو ومنذ ذلك الحين أصبحت تابعة للكنيسة الروسية.
علاوة على ذلك، في رسالتين للبطريرك الروسي المؤرختين عام1992-1997 على التوالي، عبّر البطريرك المسكوني برثلماوس عن اعترافه بحرمان فيلاريت المتروبوليت السابق للأوكرانيا من الخدمة كما وبالأناثيما التي فرضتها بطريركية موسكو ضدّه.
هذا يدل أنه يعترف بالحقيّن الأساسييّن لبطركيّة موسكو في تبعية الكنيسة- ألا وهما الحق في ممارسة سر وضع الأيدي (رسم الكهنة والأساقفة) والحق في محاكمة الأساقفة. كلا هذين الحقين الأساسيّين للتبعيّة الكنسيّة كان رئيس أساقفة أثينا وسائر اليونان، يعترف بهما قبل أن يغيّر موقفه تابعاً البطركية المسكونية.
بيد أن الإجابة الأكثر إقناعًا على السؤال المطروح هنا حول من له الحق في منح "الاستقلال الذاتي" لكنيسة محلية وما هي شروط تحقيق ذلك كانت للبطريرك المسكوني برثلماوس ذاته. فوفقًا لتصريح له لصحيفة (نيا إلّادا) اليونانيّة في يناير- كانون أول من العام 2001، فإن "الاستقلال الذاتي والاستقلاليّة يُمنحان لكنيسة بأكملها بقرارٍ من مجمعٍ مسكوني. وبما أنه من المستحيل عقد مجمع مسكوني، لأسباب مختلفة، فإن البطريركية المسكونيّة، بصفتها المنسّق لجميع الكنائس الأرثوذكسية، تمنح الاستقلال الذاتي أو الاستقلاليّة، بشرط الموافقة عليه من قبل جميع الكنائس الأورثوذكسيّة المحليّة".
تتمتع بطريركية القسطنطينية المسكونية، وفقًا للقوانين الإلهية والمقدسة (القانون الثالثة للمجمع المسكوني الثاني والقانون الثامن والعشرين للمجمع المسكوني الرابع) "بأولوية الشرف" بين جميع العروش أو السدد البطريركية في الشرق. وبعد الانقسام الكبير عام 1054، أصبحت البطريركيّة المسكونيّة هي أول عرش في كنيسة المسيح الأرثوذكسية الواحدة والجامعة والمقدّسة والرسولية ولها الحق القانوني في رئاسة فخرية للكنائس الأرثوذكسية المستقلة. وبمعنى متخصص أكثر، بطريرك القسطنطينية المسكوني بما أنه "الأول بين متساويين" (primus inter pares) فهو يتمتّع بالحق برئاسة المجمع المسكوني، وبالتالي، وجوب التنسيق بين الكنائس الأورثوذكسية. بالإضافة لذلك، هو مخوّل بمنح الاستقلال الذاتي أو الاستقلاليّة لمنطقة كنسية معيّنة بشروط معينة وواضحة وصارمة يحددها التقليد الكنسي وتتوافق مع اللاهوت الكنسي الأرثوذكسي والنظام الكنسي. وتتطابق هذه الشروط مع تلك التي اتّفق عليها ممثلو جميع الكنائس الأرثوذكسية المحلية في اجتماعات اللجان التّحضيرية المشتركة بين الأرثوذكس المنعقدة في عامي 1993 و 2009، والتي قامت بالتحضير لمجمع كريت المقدس والعظيم المنعقد عام 2016.
لسوء الحظ، لم يتم تقديم نص هذا القرار المشترك في المجمع المقدس والعظيم في كوليمباري (كريت). البعض يؤكد بأن سبب ذلك يعود لعدم موافقة الكنيسة الروسية. لكن المجمع المقدس للكنيسة الروسية، في بيانه الرسمي الصادر في 17 أكتوبر- تشرين ثاني من العام 2019، يخبرنا أنه "في الواقع ، تم استبعاد موضوع الاستقلال الذاتي من جدول أعمال المجلس ... بإصرار من البطريرك بارثولماوس".
وهكذا، فإن أول ما يجب على الكنيسة، التي ترغب في الحصول على الاستقلال الذاتي، هو أن تعبر بالنيابة عن كل كيانها ممن يحملون اسم مسيحي (من رجال دين وشعب) عن رغبتها في الاستقلال الذاتي وتقديم طلبها على شكل كتاب طلب موجّه إلى البطريركية المسكونية.
على وجه الخصوص، بما يتعلق بقضية أوكرانيا، التي نتحدث عنها الآن، تجدر الإشارة إلى ما يلي: إن للبطريرك المسكوني فقط الحق في أن يقبل النظر في طلب الاستقلال الذاتي من هيكل كنيسة واحدة في البلد، بشرط أن تستوفي المتطلبات القانونية. فكما نعلم جميعًا، فإن الهيكل الكنسي القانوني الوحيد في أوكرانيا هو الكنيسة الأوكرانية، التي يرأسها المطران أونوفريوس ويعترف بها جميع الكنائس الأرثوذكسية ( وحتى وقت ليس ببعيد كانت مُعترفة أيضاً من قبل البطركية المسكونية ذاتها)، والتي تضم 90 أسقفًا و12500 رعية و250 ديرًا و5000 راهباً وراهبة وعشرات الملايين من المؤمنين الذين يمثلون الغالبية العظمى من الشعب الأوكراني الأرثوذكسي.
لكن، هذه الكنيسة الكنسية المستقلّة، التي تخضع منذ عام 1686 للسلطة الكنسية للبطريركية الروسية، لم تطلب "الاستقلال الذاتي" من أي أحد، مع أن لها كامل الحق في ذلك. كما أنها لم تتلقى أي استقلال ذاتي من أي أحد.
لكن الاستقلال الذاتي للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تم طلبه ومنحه لهيكلين أو لكيانين انشقاقيين.
بصراحة، من المستحيل أن نفهم كيف للبطريرك المسكوني برثلماوس (على عكس ما أعلنه بنفسه بوقت ليس ببعيد قبيل طرح مسألة الاستقلال في أوكرانيا) أن يمنح الاستقلال الذاتي من جانب واحد وبدون موافقة ورضا مسبق من الكنائس الأرثوذكسية المستقلة الأخرى (بما في ذلك الكنيسة الأم الروسية، الذي ستنفصل عنها الكنيسة الأوكرانية) علاوة على ذلك، لم تكن الكنيسة الأوكرانية القانونية التي يرأسها المطران أونوفريوس، هي من قامت بتقديم طلب الإستقلال، بل مجموعتان انشقاقيتان وهما فيلاريت المحروم ومكاريوس غير المرسوم، الذي ليس لديه "خلافة" رسولية.
كما هو متوقع، فإن إساءة استخدام "الاستقلالية المقدسة"، التي حدثت في الحالة الأوكرانية هذه، لم تؤد إلى تلك المصالحة والوحدة الكنسية المبتغاة في أوكرانيا، بل على العكس ، جلبت المزيد من التعقيد والارتباك والانقسام في حياة الشعب الأوكراني الذي يمر بمثل هذه التجارب الصعبة، كما تسبب في أزمة عميقة في كل من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية والكنيسة الأرثوذكسية المسكونية بشكل عام.
وبالتالي:
1- لم يُطلب منح الاستقلال الذاتي من قبل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المعترف بها تحت قيادة المتروبوليت أونوفري، ولكن من قبل مجموعتين انشقاقيتين لا يضاهونها بالحجم.
2- تم تجاهل دور الكنيسة الأم (الكنيسة الروسية بالنسبة لأوكرانيا)، بشكل تام ولم يتم أخذها في الاعتبار على الإطلاق.
3- بدأ البطريرك المسكوني برثلماوس ترتيبات منح الاستقلال الذاتي دون أي اتصالات أو مشاورات مع رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة الأخرى.
مشكلة أخرى، لا يسعنا إلا توضيحها، ألا وهي مسألة قطع الشركة الإفخارستية بين الكنائس الأرثوذكسية المحلية.
يتهم البعض بطريركية موسكو الأرثوذكسية بالتسرع، وبشكل مصطنع وبدون أساس، من وجهة نظر كنسية، بقطع الشركة الإفخارستية مع البطريركية المسكونية في القسطنطينية، وفيما بعد مع كل من كنيستي اليونان والإسكندرية - أو على الأقل مع أولئك الأساقفة الذين وافقوا على الشركة مع رجال الدين من الجماعات المنشقة في الكنيسة الأوكرانية.
إن من سارع لاتهام بطركية موسكو لا يتذكر أو يحاول ألا يتذكر أن البطريرك المسكوني برثلماوس ذاته كان مثالهم ومعلمهم الأول في تحقيق ذلك. يجب ألا ننسى أبدًا تلك الطقوس الرّنانة في الفنار – التي بثت مباشرة على التلفاز للعالم أجمع - والتي شارك فيها، العديد من مطارنة الكرسي المسكوني، بالإضافة إلى البطريرك المسكوني، والتي تمت خلالها معاقبة المغبوط الذكر رئيس أساقفة أثينا خريستوذولوس بحرمان الشركة. والسبب الوحيد لهذا الحرمان هو قيام المغبوط الذكر بعقد مجمع محلي لكنيسة اليونان، تم فيه انتخاب ثلاثة مطارنة جدد في أبرشية ما يسمى "الأراضي الجديدة" ، بدون موافقة بطريركية.
قطعت بطريركية موسكو الشركة الإفخارستية مع البطريركية المسكونية في القسطنطينية على أساس أن الأخيرة انتهكت القوانين المقدسة. وبالتحديد ، كما أثبتنا أعلاه، قام البطريرك المسكوني من جانب واحد بالتدخل في شؤون الكنيسة الأوكرانية، التي لا تعد صمن الأراضي القانونية لكنيسته، بلغت التدخلات ذروتها عندما تم منح منح طوموس الاستقلال الذاتي للهياكل الانشقاقية في أوكرانيا.
وبالتالي، فإن قرار بطريركية موسكو بقطع الشركة الإفخارستية مع الكنائس الثلاث - القسطنطينية والإسكندرية واليونان - كان قرارًا صحيحًا ومبررًا: فهو قائم على شرائع مقدسة ويتوافق مع ممارسات الكنيسة القديمة.
أكثر ما يقلق بشأن الأحداث المتعلقة بقضية الكنيسة الأوكرانية هو الاقتناع المتزايد بأن هذه القيضية تتحول إلى مشكلة كنسية تتزايد باستمرار. تمتد طموحات البطريرك المسكوني إلى الكنيسة بأكملها، حيث أنه في الواقع، يدّعي امتلاك الحق في التّدخل في الحياة الداخلية لجميع البطريركيات الأرثوذكسية المحلية والكنائس المستقلة.
لسوء الحظ، فإن تلك النظرية التي ظهرت حديثًا التي تدّعي بأن رئيس القسطنطينية هو رأس جميع الكنائس، تم تدعيمها وتضخيمها من قبل أقرب المقربين من الكرسي المسكوني.
من وجهة نظر التاريخ والقوانين المقدسة، يمكن أن يكون هناك إجابة واحدة لا جدل فيها على مسألة رأس الكنيسة الجامعة. على مدى ألفي عام من تاريخها، لم تمنح الكنيسة الأرثوذكسية أيّاً من أساقفتها لقب واختصاصات رأس الكنيسة.
لذلك، من الواضح، وضوح الشمس، وهو ما يمكن إثباته وبرهنته تاريخيًا وقانونيًا وعقائديًا، انطلاقًا من التقليد الأيقوني وكتابات الآباء - أنه لا يمكن لأي من الرؤساء أو البطاركة أو رؤساء الكنائس المستقلة أن يحلّوا محل رأس الكنيسة الذي لا يتغير وأعني ربنا يسوع المسيح.
الكنيسة، في جماعتها، ليس لها رأس غير ربنا يسوع المسيح. وأعلى سلطة قانونية في الكنيسة هي المجامع المسكونية، وليس أي من رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المحلية.
آمنت الكنيسة الأولى (في القرون الأولى)، بالمجمع المسكوني باعتباره المؤسسة الكنسية العليا المعصومة عن الخطأ، وفسره دارسو علم الكنسيات على النحو التالي:
كانت الكنيسة الأولى وغير المنقسمة، لديها اعتقاد كبير بأنه جسد المسيح السّري - الكائن الحي الواحد الغير منقسم، الإلهي والبشري، المنظور وغير المنظور، مع رأس واحد وهو ربنا يسوع - وأنشأت منظمتها بأكملها (πολίτευμα) ليس على النظام الرأسي المطلق، ولكن على المجمعيّة وبالتحديد المجمع المسكوني.
وهكذا، ظهر في الرأس الطابع الروحي، والعلوي للكنيسة الذي ارتسم في أذهان المؤمنين وهو أن ربّنا بذاته هو وكيل الكنيسة الحقيقي والوحيد. والتسلسل الهرمي ما هو إلا تنظيم يتم من خلاله إدارة الكنيسة بشكل رسمي.
في الختام، نؤكد ما يلي.
تبقى الفترة الأولى من تأسيس الكنيسة الواحدة الغير المنقسمة، فترة مجهولة وأعني بها الفترة التي اتّخذت الكنيسة لنفسها المؤسسة البابوية كسلطة عليا في الكنيسة الجامعة ومصدر كل سلطة. قبل الانقسام الكبير كان المجمع المسكوني يعدُّ أعلى هيئة مجمعيّة في الكنيسة الواحدة غير المنقسمة. وجد نظام الحكم المجمعي هذا استمراره في الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة. وهكذا، فإن الهيكل السياسي-الإداري للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة كما ولجميع الكنائس الأرثوذكسية المحليّة المستقلة اليوم هو مجمعي- هرمي. هذه السّمة المميزة للبنية السياسية-الإدارية للكنيسة الأرثوذكسية تجد براهينها وأساسها في الكتاب المقدس. يتم إضفاء الطابع المؤسسي والشرعيّة عليها من خلال القوانين الكنيسة الإلهية المقدسة وأيضاً من خلال العادات المُمارس بها في كنيستنا. لذلك، وجب تجنب أي محاولة لتخريب هذا النظام المجمعي-الهرمي الذي أورثه لنا الرسل القديسون. يقوم تنظيم الكنيسة الأرثوذكسية على أساس مجمعي وليس على أولوية مطلقة ورأسيّة ومركزية. إذا أردنا الوحدة والسلام في الكنيسة، على المستويين المحلي والمسكوني، يجب أن نحافظ على نظام الحكم المجمعي-الهرمي للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة.