سيادة المتروبوليت نيفن: "إنّ الإيمان العميق للشعب الروسي لم يتغيّر"
دائرة الاتّصالات في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو 21/06/2024
تعتبر الكنيسة الأنطاكيّة من أقدم الكنائس الأرثوذكسيّة. أسّسها القدّيس الرسول بطرس.
للعلاقات بين الكنيستين الأرثوذكسيّة الروسيّة والأنطاكيّة تاريخ طويل يعود فعليًّا إلى أكثر من ألف عام.
منذ القرن السادس عشر، وصلت العلاقات بين الكنيستين إلى مستوى جديد، حيث بدأ بطاركة أنطاكيّة بزيارة روسيا بشكل منتظم، والتي أصبحت، منذ ذلك الوقت، داعمةً للكنائس الأرثوذكسيّة في الشرق العثمانيّ.
في منتصف القرن التاسع عشر، تمّ افتتاح أمطش بطريركيّة أنطاكيّة في موسكو، وهي معتمديّة تابعة لكنيسة أنطاكية في روسيا. في نهاية العشرينيّات، أُغلق الأمطش، ولكن بعد مرور عشرين عام، أي بعد مرور قرن بالضبط على افتتاحه، عاد ثانية إلى مزاولة أنشطته.
منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، تعمل معتمديّة البطريركيّة الأنطاكيّة في موسكو بشكل مستمرّ بشخص ممثّلها. ومنذ ما يقرب من نصف قرن، والمتروبوليت نيفن (صيقلي) مطران شهبا، هو المطران البارز والشاهد على حياة الكنيسة الروسيّة في السنوات السوفيتيّة وفي أيامنا هذه أيضًا.
لقد تحدّث سيادته عن حياته في روسيا وتاريخ ونشاطات المعتمديّة، ووضع الكنيسة الروسيّة في لبنان، كما ألمح إلى استعادة الشركة الإفخارستيّة بين كنيستي أنطاكيّة والقدس في مقابلة لمجلّة بطريركيّة موسكو، وجاء فيها:
- سيّدنا، متى بدأت العلاقات بين الكنيستين الأنطاكيّة والروسيّة؟
- بدأت العلاقات بين الكنيستين الأنطاكيّة والروسيّة منذ العام 988، عندما تمّ تعيين المتروبوليت ميخائيل السوريّ الأصل على كرسي كييف، فأصبح، بذلك، أوّل مطران عليها. في القرن السادس عشر، جاء البطريرك يواكيم إلى روسيا، فأطلعه القيصر بوريس غودونوف عن خطّته لإنشاء البطريركيّة في روسيا، وقد طلب البطريرك يواكيم من بطريرك القسطنطينيّة هذا الأمر. وفي القرن السابع عشر زار البطريرك مكاريوس الثالث (الزعيم) مع ابنه رئيس الشمامسة بولس الحلبي روسيا مرّتين، بما في ذلك موسكو وكييف. ومن المعلوم أنّ بولس كتب كثيرًا عن روسيا، وأعجب بشدّة بالخدم في الكنائس الروسيّة: "يقف المؤمنون مثل التماثيل، صامتين وهادئين، يركعون باستمرار على الأرض... ويبدو أن أرجلهم مصنوعة من الحديد".
في ذلك الوقت، كانت الكنيسة الأنطاكيّة تحت نير العثمانيّين، ولقد ساعدتها الكنيسة الروسيّة كثيرًا في تلك الحقبة.
في منتصف القرن التاسع عشر، أرسل بطريرك أنطاكيّة ميثوديوس رسالة إلى بطريرك موسكو وصف فيها وضع الكنيسة الصعب في سوريا. وثمّ ببركة المجمع المقدّس للكنيسة الروسيّة وبدعم كبير من متروبوليت موسكو القدّيس فيلاريت (دروزدوف)، تمّ افتتاح الأمطش الأنطاكيّ في موسكو العام 1848 في كنيسة الشهيد إيباتيوس غنغرا في منطقة موسكو "كيتاي غورود"، وكان رئيسها الأوّل هو المتروبوليت نيوفيتس مطران بعلبك وإليوبوليس.
لقد كانت للعديد من ممثّلي الكنيسة الأنطاكيّة اتّصالات في سانت بطرسبورغ وكييف وكازان. ودرس كثير من الطلّاب في الأكاديميّات اللّاهوتيّة الروسيّة.
أقيمت الخدم الإلهيّة في الأمطش باللغتين العربيّة والسلافيّة الكنسيّة.
في الستينيّات من القرن التاسع عشر، كان رئيسًا للأمطش الأرشمندريت غفرئيل (شاتيلا)، الذي أصبح فيما بعد مطران بيروت.
وفي التسعينيّات من القرن التاسع عشر، خدم هنا الأرشمندريت رافائيل (هواويني) خرّيج أكاديميّة كييف اللّاهوتيّة، وعُرف بتكريمه الشديد للقدّيس يوحنّا كرونشتادت. انتقل بعد ذلك إلى أمريكا وتمّ تعيينه أسقفًا على بروكلين بإشراف أسقف أمريكا الشماليّة وألاسكا تيخن (بيلافين)، بطريرك سائر روسيا المستقبليّ. عمل الأسقف روفائيل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لمدّة ثماني سنوات، وتوفّي في العام 1915. أُعلنت قداسته في مطلع العام 2000.
في بدايّة القرن العشرين، كان رئيس الأمطش الأرشمندريت ألكسندروس (طحان)، الذي أصبح بطريرك أنطاكيّة في العشرينيّات والثلاثينيّات من القرن الماضي. وخلال سنوات بطريركيّته، دعم المثلّثُ الرحمات البطريركُ ألكسندروس الثالث روسيا، الذي أحبّها بشكل خاصّ، المتروبوليتَ سرجيوس (ستراغورودسكي) والكنيسة الروسيّة المضطهَدة.
رحّب البطريرك ألكسندروس بانتخاب المتروبوليت سرجيوس بطريركًا على موسكو وسائر روسيا العام 1943. وفي العام 1945 حضر اجتماع المجمع المحلّيّ للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وتنصيب البطريرك ألكسي الأوّل في موسكو.
حصل قداسة البطريرك ألكسندروس الثالث على لقب دكتور في اللّاهوت من أكاديميّة موسكو اللّاهوتيّة. ومن المثير للاهتمام أنّ رسامة الأرشمندريت ألكسي (سيمانسكي) الأسقفيّة، البطريرك ألكسي الأوّل لاحقًا، تمّت في العام 1913 من قبل سلف البطريرك ألكسندروس، البطريرك غريغوريوس الرابع (حدّاد)، عندما شارك في الاحتفالات بمناسبة الذكرى الـ 300 لعائلة رومانوف.
كان العام 1929 صفحة حزينة في تاريخ الأمطش الأنطاكيّ في موسكو، فلقد تمّ إغلاقه وتحوّلت مبانيه، بما في ذلك كنيسة القدّيس الشهيد إيباتيوس، إلى مسرح وبيت للطلّاب. في العام 1966، دُمِّرت الكنيسة ولم يعاد ترميمها أبدًا. ولكن، بجهود بطريرك أنطاكيّة ألكسندروس الثالث وبطريرك موسكو ألكسي الأوّل تمّ إحياء الأمطش ثانيّة.
طلب البطريرك ألكسي من يوسف ستالين دعم الكنيسة الأنطاكيّة، ففي العام 1948، افتُتح الأمطش الأنطاكيّ مرّة أخرى، ولكن، هذه المرّة في كنيسة رئيس الملائكة جبرائيل والشهيد العظيم ثيوذوروس قائد الجيش في منطقة موسكو "تشيستي برودي"، حيث لا تزال موجودة.
ومنذ ذلك الوقت، أخذت العلاقات تطوّر تشملها روح الأخوّة بين كنيستينا بشكل ناشط. وفي العام 1977، وببركة قداسة البطريرك الأنطاكيّ الياس الرابع، تمّ تعييني ممثّلاً للكنيسة الأنطاكيّة لدى الكرسيّ البطريركيّ في موسكو. لقد استمرّت خدمتي هنا لمدّة 47 عامًا تقريبًا. أتذكّر كيف بدأت خدمتي هنا كممثّل البطريرك، مشيت في الشارع مرتديًا غنبازًا ما جعل الناس يبتسمون.
وبسبب واجباتي الرسميّة، التقيت مع بريجنيف وأندروبوف وتشرنينكو عدّة مرّات في السنة، وعندما جاء رؤساء الدوّل العربيّة، كان عليّ أن أكون حاضرًا الأستقبال وفقًا للبروتوكول.
كان وقتًا صعبًا استقبلت فيه كنيستنا من يريد أن يعتمد أو يتزوّج دون خوف من الاضطهاد كما كان يحدث غالبًا في الكنائس الروسيّة الأخرى. لكن كلّ هذا لا يقارن بما ساعدتنا به الكنيسة الروسيّة على مدى الخمسمائة عام الماضيّة.
- خلال 46 عامًا من الخدمة في بلدنا، شهدتم العديد من الأحداث التي جرت هنا. كيف تغيّرت روسيا على مرّ السنين، في رأيكم، سيّدنا؟
- على مرّ السنين لدي الكثير من الخبرة. أستطيع أن أؤكّد بأنّ الإيمان العميق للشعب الروسيّ لم يتغيّر. لقد كنت دائماً مفتوناً بروحانيّة الشعب الروسيّ، الذي أكنّ له الحبّ العميق. وعندما أقصد لبنان يقولون: "لقد وصل المطران الروسيّ!" وأنا فخور جدًّا بذلك. أنا مرتبط روحيًّا بالشعب الروسيّ، بقداسة روسيا. فعندما ترى عددًا من قباب الكنائس الأرثوذكسيّة، لا بدّ أن تشعر بالابتهاج وتصلّى من أجل ازدهار هذا الشعب وسلامه. إنّ روسيا مقدّسة بقدّيسيها العظماء.
- تحت إشرافكم في لبنان تبنون كنيسة أرثوذكسيّة كبيرة جديدة على النمط الروسيّ، أخبرونا عنها لو سمحتم.
- لقد شهدت في العام 1994، كيف وضع رئيس الاتّحاد الروسيّ بوريس يلتسين وقداسة البطريرك ألكسي الثاني ورئيس وزراء الاتّحاد الروسيّ تشيرنوميردين ومحافظ موسكو لوجكوف الحجر الأوّل في تأسيس كاتدرائيّة المسيح المخلّص المرمّمة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت أفكّر في تشييد كنيسة أرثوذكسيّة على النمط الروسيّ في وطني. عندما أكملت أربعين عامًا من خدمتي في روسيا، قرّرت أن أبذل قصارى جهدي لكي يظهر جزء من الروحانيّة الروسيّة والقداسة الروسيّة في لبنان.
تُبنى الكنيسة على النمط الروسيّ في مدينة زحلة في وسط لبنان تقريبًا. في هذه المدينة ولدت ودرست وعشت حتّى انتقلت إلى روسيا. وقد قام بوضع الحجر الأوّل في أساس الكنيسة غبطة بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق يوحنّا العاشر. نبني كنيسة مكرّسة لأيقونة والدة الإله "الفرح غير المنتظر". إنّ أغلبيّة سكّان مدينة زحلة من الكاثوليك. لدينا تسعة وخمسون كنيسة، ثلاث منها أرثوذكسيّة، ولكن كنيسة "الفرح غير المتوقّع، الكبيرة البهجة ستكون الأجمل بينها، لأنّ السيّدة العذراء هي الفرح غير المنتظر والتي تمنح الفرح للعالم أجمع. أعتقد أنّ البناء الرئيسيّ سينتهي في الصيف الجاري. يوجد في الطابق الأرضي من المبنى متحف للثقافة الأرثوذكسيّة، حيث الكثير من المعلومات حول الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والأيقونات الروسيّة.
- في المرّة الأولى التي أتيتم فيها إلى روسيا كنتم طالبًا، وكان ذلك في العام 1959. كيف تعلّمتم اللّغة الروسيّة؟
- كان من واجبي أن أتعلّم اللّغة الروسيّة لا سيّما وأنّ الوقت متوفّر لديّ ومدرسي يتكلّم الفرنسيّة، وهكذا كنّا نتواصل. كنت أقرأ الكتب، غير أنّني كنت بحاجة ماسّة إلى التحدّث. (الآن أصبح لدى طلّاب اللّاهوت الأجانب الفرصة للدراسة في المعاهد المتخصّصة). وعندما بدأت الخدمة هنا العام 1977، أصبح الوعظ بانتظام خبرة جيّدة ومفيدة بالنسبة لي.
- تخرّجتم من أكاديميّة موسكو اللّاهوتيّة العام 1964، أخبرونا ما الذي تتذكّرونه من دراستكم؟
- لقد درست في أكاديميّة موسكو اللّاهوتيّة عندما كان عميدًا لها المتقدّم في الكهنة قسطنطين روجيتسكي. كانت تلك الفترة عصيبة جدًّا جحد فيها الكثيرون إيمانهم.
جذبني كثيراً مثال رئيس الأساقفة هيرموهينوس (غولوبيف)، فجلسنا، ذات مرّة، نشاهد عرضًا، فقلت له: "أنّتهم تصفّقون لهذه العرض العسكريّ، وهم يسخرون منكم كثيرًا. إنّهم يغلقون الكنائس ويمنعون سرّي المعموديّة والزواج". فأجابني: "هذه أرضنا، وهم اليوم موجودون، وغدًا غير موجودين. هذا وطننا ونحن نفتخر به. واليوم هم في السلطة، وغداً سيتولّى السلطة أشخاص آخرون".
درس معي في الأكاديميّة المتروبوليت أنطونيوس مطران تشرنيغوف (†2003) والمتروبوليت نيقوديموس مطران خاركوف (†2011) وصديق المتروبوليت مينسك فيلاريت (فاخروميف، †2021). أتذّكر كيف التقينا، كان ذلك في العام 1959: كان رئيس الشمامسة في دير لافرا الثالوث للقدّيس سرجيوس رادونيج، وكنت أنا رئيسًا للشمامسة في كنيسة الأكاديميّة. خدمنا معًا في كنيسة اللّافرا مع رئيس الدير الأرشمندريت بيمنوس، ورتلّنا معًا البروكيمينون" يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ". لقد أعجبني صوته، وشدّتني شخصيّته لا سيّما بعد بدأنا بالتواصل معًا فربطتنا صداقة متينة حتّى إنّه جاء إلى دمشق في العام 1988 حين سيامتي الأسقفيّة.
وخلال دراستي عملت سكرتيرًا للمتروبوليت نيفن (سابا) راعي أبرشيّة زحلة وبعلبك. لقد كان شخصًا رائعًا ومميّزًا، كما تعرّفت في تلك السنوات إلى المتروبوليت نيقولاوس (ياروشيفيتش؛ †1961)، المتروبوليت نيقوديمس (روتوف؛ †1978)، المتروبوليت يوفيناليوس (بوياركوف). إنّهم، بالحقيقة، شمس الكنيسة، يظهرون بمثالهم كيفيّة تنمية وتطوير النعمة التي نالوها من الربّ في سرّ السيامة.
سافر المتروبوليت نيفن إلى موسكو ووصل ليلًا وأقام في فندق "أوكرانيا". وفي تلك الليلة نفسها، في الساعة الواحدة، جاء إليه المتروبوليت نيقوديموس ليرحّب به.
إنّ الثقافة، غزارة النعمة الإلهيّة، الشخصيّة والوفاء في خدمة الكنيسة، والصدق تجاه الذات والآخرين، هذا ما ميّز هؤلاء الأساقفة بشكل خاصّ وما أرجو أن يكون كلّ الأساقفة على مثالهم.
أتذكّر أنّ المتروبوليت ميليتون من بطريركيّة القسطنطينيّة (†1989) جاء إلى موسكو، والتقى بالمتروبوليت نيقوديموس (روتوف) لحلّ بعض المشاكل بين الكنيستين. لقد تناولا العشاء هنا، في هذا الصالون. عندما تكون العلاقة بين القسطنطينيّة وموسكو جيّدة، تختفي كلّ المشاكل في الكنيسة الأرثوذكسيّة عامّةً.
من المهمّ معرفة تاريخ الكنيسة الروسيّة. لقد كانت بين الشرق وروسيا دائمًا علاقة مميّزة. الآن، على سبيل المثال، يحظى الشيعة في لبنان بدعم إيران، والسنّة بدعم المملكة العربيّة السعوديّة، والبروتستانت بدعم الأميركيّين، والموارنة بدعم الفرنسيّين. بينما يرتبط الشرق الأرثوذكسيّ ارتباطًا وثيقًا تاريخيًّا بروسيا المقدّسة. بالنسبة لكنائس أنطاكيّة والإسكندريّة والقدس، كانت روسيا تشكّل دائمًا الدعم القويّ. وبصرف النظر عن الكنيسة الروسيّة، لا يوجد سواها لمساعدتهم.
- قبل عشر سنوات، انقطعت الشركة الإفخارستيّة بين كنيستي أنطاكيّة والقدس. وكان السبب في ذلك هو الخلاف حول انضمام كنسيّ لمنطقة قطر. وتمّت استعادة الشركة في الخريف الماضيّ. كيف تعلّقون على هذا الحدث؟
- عندما رأى صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر المعروف بحكمته الجزيلة الحالة المتأزّمة بين فلسطين وإسرائيل أخذ المبادرة واقترح أثناء اجتماع المجمع المقدّس استعادة الشركة بين البطريركيّتين القديمتين، بعد المناقشة وافق الجميع استعادة الشركة. وعندما سأُلت عن ردّ فعل الكنيسة الروسيّة على هذه الخطوة، أجبت بأنّ الكنيسة الروسيّة ستكون الأولى من يحتفل بهذا الحدث. فشكر يعود للصاحب الغبطة أوّلاً وللمجمع المقدّس للكنيسة الأنطاكيّة.
لقد زارني في موسكو راعي مطرانيّة عمّان التابعة لكنيسة القدس رئيس أساقفة كيرياكوبوليس خريستوفروس. وهو عربيّ المولد ومقرَّب جدًّا من ملك الأردن. وعبّر عن محبّته للبطريركيّة الأنطاكيّة ولأبنائنا العرب، كان ردّ البطريرك الأنطاكيّ بالمثل وقد قدّم شخصيّاً كميّة من المال لمساعدة كنيسة القدس في هذه الأيّام العصيبة، وهكذا بدأنا بتطوير العلاقات بين البطريركيّتين. أدّت بدايّة الحرب بين إسرائيل وفلسطين إلى تسريع وتيرة المفاوضات، ولم يكن بوسعنا أن نقف حياديّين والناس يموتون وتُدمّر الكنائس. وهكذا، تمّت استعادة الشركة وكل الاتّصالات. لقد وضعنا مشكلة قطر جانبًا في الوقت الأحسن.
- ما هو نشاط أمطش الكنيسة الأنطاكيّة في موسكو اليوم؟
- إنّ المهمّة الرئيسيّة للأمطش اليوم هي تعزيز العلاقات الأخويّة بين الكنيستين الأنطاكيّة والروسيّة. لذلك، عندما نتلقّى رسائل من قداسة البطريرك كيريل، نفرح لأنّه يعاملنا باهتمام خاصّ ومحبّة، ويقدّر أعمالنا ويباركها. ونحصل الكثير من الدعوات إلى أبرشيّات روسيّة أخرى. كما ونطوّر العلاقات مع ممثّلي الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأخرى هنا، في موسكو.
نتواصل بشكل جيّد مع الدبلوماسيّين. لقد كوّنت، شخصيًّا، صداقات مع الكثيرين بمجرّد وصولي. المؤمنون في رعيّتنا كلّهم رائعون، لكنّهم كانوا خائفين من التواصل معي لأنّني أجنبي، فنصحني السفير اللبنانيّ حينها قائلًا: "دعونا نكون جنبًا إلى جنب". ولسنوات عديدة، يجتمع ما يصل إلى ثلاثين سفيرًا في أعياد رعيّتنا.
عندما يأتي ممثّلون دبلوماسيّون والعاملون بالسفارات إلى روسيا، يطلبون مني النصائح حول كيفيّة العيش في هذا البلد، ومن خلالي يتعرّفون على الكنيسة الروسيّة. إنّي أدعو الجميع إلى عيد رئيس الملائكة جبرائيل، فيشاهدون كيف نخدم وما نبّشر به.
كلّ سنة في عيد الميلاد أقوم بالخدم للعرب المتواجدين في أثينا، إذ ليس لدينا هنا شتات كما هناك، فمعظم أبناء الرعيّة هم من الذين درسوا هنا، ثمّ تزوّجوا من إحدى الروسيّات واستقرّوا، لذلك تتشكّل الرعيّة من عدّة عائلات من هذا القبيل. ولذلك، فإنّ خدمنا تكون في الغالب باللّغة الكنسيّة السلافيّة. ولكن إذا جاء بعض العرب، فلا بدّ من أن أحيّيهم باللغة العربيّة طبعًا.
تلعب الكنيسة دورًا كبيرًا في التقارب بين شعوب العالم. فعلى سبيل المثال، الدور الذي لعبته الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في التقارب بين شعبي الاتّحاد السوفيّيتي والولايات المتّحدة الأمريكيّة خلال سنوات الحكم السوفيتيّ، فالكنيسة وحدها هي القادرة على الجمع بين أشخاص مختلفين تمامًا. تجمعنا الكنيسة جميعًا في عائلة واحدة مع أنّ للشخصيّة دورًا كبيرًا في هذا المضمار. لقد كنت محظوظًا، فقد أتيحت لي الفرصة للتواصل مع العديد من القادة المتميّزين.
أعتقد بأنّ الثقافة والتعليم والتواصل هي الصفات الأساسيّة للصداقة والتعرّف على بعضنا البعض، بغضّ النظر عن اختلافنا في بعض الأمور.
- برأيكم، ما هي المهمة الرئيسيّة لخدمتكم؟
- مهمّتي هي نشر المحبّة بين الناس.
تحدّث الشمّاس ألكسندر تشيريبينين
***
تأسّست الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة على يد الرسولين بطرس وبولس. وخلال القرون الثلاثة الأولى من العصر المسيحيّ، كانت الكنيسة الأكبر جغرافيًّا في العالم المسيحي. ومنها جاء قدّيسون مشهورون مثل الشهيدة الأولى تقلا، والشهيد في الكهنة إغناطيوس حامل الإله، والشهيد العظيم جاورجيوس اللّابس الظفر، والقدّيس أندراوس الكريتيّ، ويوحنّا السلّميّ، وأفرام السريانيّ، وسمعان العموديّ. في الكنيسة الأنطاكيّة بدأ القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم نشاطه الرعائيّ.
قام رؤساء الكنيسة الأنطاكيّة بدور ناشط في أعمال المجامع المسكونيّة وترأسوها عدّة مرّات. في العام 451، حصلت الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة على صفة البطريركيّة. في نهايّة القرن الخامس ومطلع القرن السادس ضعفت الكنيسة الأنطاكيّة من جرّاء الانقسام الكنسيّ حول الخلافات اللّاهوتيّة المعقّدة وبسبب المواجهة السياسيّة حول الجمع بين الطبيعة الإلهيّة والبشريّة في يسوع المسيح. وأدّى ذلك إلى ظهور العديد ممّا يسمى بالكنائس ما قبل المجمع الخلقيدونيّ والتي لا تزال موجودة في الشرق الأوسط.
نتيجة للفتوحات العربيّة اللّاحقة للشرق الأوسط (عام 637)، والصليبّيين (القرنين الحادي عشر والثالث عشر)، والمماليك (القرن الثالث عشر) والأتراك (بدايّة القرن السادس عشر)، فقدت الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة عظمتها السابقة وانحدرت. في القرن الثالث عشر تمّ نقل مقرّ البطريركيّة من أنطاكيّة إلى دمشق حيث لا يزال قائمًا.
تضمّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة مناطق سوريا ولبنان والعراق والكويت ودول شبه الجزيرة العربيّة (باستثناء الأردن). ومع ذلك، فإنّ جزءًا كبيرًا من المؤمنين في الكنيسة الأنطاكيّة الحديثة (حوالي 5 ملايين من أصل 7.5 مليون) يألّفون الشتات اللبنانيّ والسوريّ في أمريكا الشماليّة والجنوبيّة، الذين تشكّلوا في القرن العشرين نتيجةً للنزوح الجماعيً للسكّان المسيحيّين بسبب الحروب التي وقعت في الشرق الأوسط.
في العام 1895، نظّم العرب الأرثوذكس الذين يعيشون في أمريكا هيكلًا خاصًّا داخل الأبرشيّة الأمريكيّة للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. وبعد ذلك، رسم لها الأساقفة الروس أسقفًا عربيًّا، كما سمحوا، لاحقًا، بنقل الرعايا العربيّة إلى ولايّة البطريركيّة الأنطاكيّة.
في العام 1975، تم توحيد الهياكل الكنسيّة الأنطاكيّة المتباينة في أبرشيّة أنطاكيّة أرثوذكسيّة واحدة في أمريكا الشماليّة. وفي العام 2003، حصلت الكنيسة التي تتكوّن من تسع أبرشيّات على وضع الحكم الذاتيّ من البطريركيّة الأنطاكيّة.
المقابلة مترجمة من المصدر:
http://e-vestnik.ru/interviews/interview_mitropolit_nifon_13173