لقاء قداسة بطريرك الكنيسة القبطيّة ومسؤول الشؤون الإداريّة في بطريركيّة موسكو
دائرة الاتّصالات في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو، 01/05/23
في التاسع والعشرين من نسيان الجاري، زار وفد رهبانيّ من الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة برئاسة مسؤول الشؤون الإداريّة في بطريركيّة موسكو المتروبوليت ديونيسيوس مطران فوسكريسينسك دار بطاركة الكنيسة القبطيّة حيث التقوا بقداسة البابا توتضروس الثاني بطريرك الكنيسة القبطيّة.
رحّب رئيس الكنيسة القبطيّة بحرارة بوفد بطريركيّة موسكو، مشيرًا إلى أهمّيّة تعزيز العلاقات الأخويّة بين مسيحيّي روسيا ومصر وقال: "أطلب منكم أن تنقلوا تحيّاتي الحارّة وأطيب تمنيّاتي إلى أخي المحبوب بالربّ قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا. كم أشعر بالشرف العميق للاهتمام اللطيف الذي يبديه قداسته، دائمًا، إزاء الشعب المسيحيّ في مصر ولأبنائنا الساكنين في روسيا. وكم يسعدني أنّهم تحت رعاية رئيس الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة العظيمة الأبويّة المستمرّة. كما أشكر الله على هذه الفرصة التي أتاحت لي استقبال ممثّلين رفيعي المستوى من الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. إنّي لفي غاية السرور للمستوى الجيّد للعلاقات التي نشأت منذ العصور القديمة بين كنيستينا وشعبينا. تتميّز هذه العلاقات بالمحبّة المسيحيّة الحقيقيّة المليئة بنور قيامة ربنّا ومخلّصنا يسوع المسيح. واليوم، وفي هذا الوقت العصيب، يُطلب منّا، أكثر من أي وقت مضى، توسيع وتقوية هذه الروابط.
وقدّر قداسة البطريرك تواضروس الثاني حقّ التقدير أنشطة لجنة الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة والكنيسة القبطيّة والمبادرات الثنائيّة المنفّذة في إطارها، والتي يحتلّ تبادل الوفود الرهبانيّة مكانًا خاصًّا فيها.
وأضاف قداسته في هذا الصدد: "أعتبر عمل لجنة الحوار بين كنيستينا مهمًّا جدًّا، والتي تقوم بتعاون متبادَل ومثري لمجد الله. ولدى شركة رهبان كنيستينا أهمّيّة خاصّة، فأوّلاً، وقبل كلّ شيء، بفضل شهادتهم، يتمّ الحفاظ على تقليد الإيمان الحيّ القديم. ولذلك، نحن سعداء لأنّكم اليوم، إخوتنا وأخواتنا في المسيح من روسيا، تزورون الأديرة المصريّة القديمة، والذي يعود تاريخ العديد منهم إلى القرن الرابع، أي أثناء حياة مؤسّسي الرهبنة المسيحيّة.
كما تحدّث قداسة البطريرك تواضروس عن الحياة المعاصرة للكنيسة القبطيّة، والتي يبلغ عدد أبنائها، اليوم، في مصر أكثر من 15 مليون شخصًا، بالإضافة إلى مليونين آخرين في الشتات. وهناك أكثر من 100 أبرشيّة قبطيّة في جميع إنحاء العالم. من بين المجالات الأكثر أهمّيّة للخدمة الكنسيّة، اليوم، العمل مع الأطفال والشبيبة، بما في ذلك العائلات الشابّة، التي يعتمد عليها مستقبل الدول المسيحيّة.
وردًّا على ذلك، نقل المطران ديونيسيوس مترولوليت فوسكريسينسك إلى قداسة البطريرك تواضروس الثاني تحيّات قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا، وأعرب عن امتنانه لمحبّته وضيافته للوفود الكنسيّة الروسيّة التي تزور مصر. وأشار المطران ديونيسيوس إلى أنّه تشرّف، كمسؤول للشؤون الإداريّة في بطريركيّة موسكو والوكيل البطريركيّ الأوّل، أن يزور مصر لأوّل مرّة ليترأس وفدًا من ممثّلي الرهبنة الروسيّة، ويتعرّف على رئيس الكنيسة القبطيّة.
وأضاف سيادته بأنّ "مصر هي أرض مقدّسة لجميع المسيحيّين، لا سيّما وقد قدّستها قدما والدة الله الفائقة الطهارة، والربّ نفسه والقدّيس يوسف، وهي مهد الرهبنة ومسقط رأس مؤسّسيها. وعلى مدى عصور، كرّمت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة الجهاد الروحيّ للرهبان المصريّين، ولكنّها اليوم، ومن دون مبالغة، تتعرّف عليها من جديد. نرى في بلدكم لا الجذور القديمة للإيمان المسيحيّ، فحسب، بل، أيضًا، الكنيسة القبطيّة الحيّة، والوفيّة لتراثها والمقدّمة ثمارًا جيدة لربّنا ومخلّصنا. أعطت المسيحيّة المصريّة للعالم عددًا كبيرًا من الرهبان العظماء. وفي يومنا، لا يزال مؤمنوكم يظهرون أمثلة القداسة، وأقصد الاستشهاد والاعتراف بالإيمان، ليعطوا للعالم فرح قيامة المسيح الفصحيّ، ويشاركونا محبّته الكريمة. لقد شعرنا بهذه المحبّة الأخويّة وكرم الضيافة منذ أن وطأت أقدامنا الأرض المصريّة.
وشدّد مسؤول الشؤون الإداريّة في بطريركيّة موسكو على أنّ هناك إمكانات كثيرة لزيادة تعزيز العلاقات الوديّة والثقة بين الكنيستين، والتي تطوّرت بنشاط خلال العقد الماضي بمشاركة مباشرة من قداسة البطريرك كيريل وقداسة البطريرك تواضروس الثاني. ووفقًا لكلامه، من الصعب المبالغة في تقدير أهمّيّة أنشطة لجنة الحوار بين الكنيستين، التي تأسّست في العام 2015 ببركة البطريركين، والتي يتمّ في إطار عملها تنفيذ مشاريع فريدة لا مثيل لها في المجالات العلميّة واللّاهوتيّة والأكاديميّة والإعلاميّة والاجتماعيّة والشبابيّة وعدد من المجالات الأخرى التي تؤثّر على خدمة الكنيسة في العالم المعاصر. تحتلّ الزيارات المتبادلة للوفود الرهبانيّة من الكنيستين مكانًا منفصلًا في سياق هذا التعاون المثمّر. وقد تطرّق المطران ديونيسيوس إلى ذكرياته الشخصيّة من لقاءاته مع الوفود القبطيّة في موسكو، وأعرب عن أمله في استمرار هذا النوع من الاتّصالات بنجاح قائلا: "نحن في روسيا ننظر بمحبّة إلى وفودكم، فإنّهم، دائمًا، ضيوف كرام لدى بطريركيّة موسكو".
كما وشكر مسؤول الشؤون الإداريّة في بطريركيّة موسكو قداسة البطريرك تواضروس على مساعدة الكنيسة القبطيّة في رعاية المؤمنين الأرثوذكس الناطقين بالروسيّة الساكنين في مصر، ولا سيما لتقديم كنيسة لهم في القاهرة وإتاحة الفرصة لإقامة الصلوات المنتظمة في الكنائس القبطيّة بالغردقة وشرم الشيخ. وأشار المتروبوليت ديونيسيوس إلى أنّ هذه المساعدة ذات قيمة خاصّة، اليوم، وبخاصّة عندما تنشط إكسارخوسيّة بطريركيّة موسكو في أفريقيا مع مركزها في العاصمة المصريّة في البلدان الأفريقيّة. وأكّد سيادته أيضًا: "أودّ أن أؤكّد لكم أن أنشطتها المستقبليّة ستعزّز صداقتنا وتفاعلنا".
بدورها، تقدم بطريركيّة موسكو مساعدة شاملة لمؤمني الكنيسة القبطيّة الذين يعيشون في روسيا، فالكثير منهم يتعلّمون، حاليًّا، في مؤسّسات تعليميّة في أكثر من ثلاثين منطقة روسيّة. بالإضافة إلى هذا، توجد رعيّة قبطيّة في موسكو.
هذا، وقد أضاف سيادته: "يسعدنا وجود جالية كبيرة تضمّ أبناء الكنيسة القبطيّة في بلدنا. يدرس، اليوم، مئات المسيحيّين الأقباط في أفضل الجامعات الروسيّة، ابتداء من سان بطرسبرغ إلى بارناول في سيبيريا. وببركة قداسة البطريرك كيريل، تحافظ الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة على اتّصال دائم مع الطلّاب ومع ممثّل قداستكم في روسيا الأب داود الأنطوني".
كما وأعرب المطران ديونيسيوس عن عميق امتنانه لرئيس الكنيسة القبطيّة لتفهّمه موقف بطريركيذة موسكو فيما يتعلّق بالوضع الكنسيّ لأوكرانيا، وعلى النداء الأخير الذي وجّهه قداسة البطريرك تواضروس للدفاع عن مقدّسات الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة وطرد الرهبان من دير لافرا الكهوف في كييف.
وأضاف قائلا: "من المهمّ بالنسبة لنا، بشكل خاصّ، أن الكنيسة القبطيّة ترفض باستمرار أي اتّصال بممثّلي الانقسام الأوكرانيّ. وقد تبيّن هذا بجلاء خلال زيارة رئيسهم إلى مصر في أوائل الشهر الماضي. فهذا الموقف الثابت لقداستكم ورعيّتكم ينظر إليه ملايين المؤمنين بامتنان واحترام عميق، بمن فيهم إخوتنا وأخواتنا في أوكرانيا.
وشدّد المتروبوليت ديونيسيوس، في هذا الصدد، على أهمّيّة تعزيز التعاون النشط بين بطريركيّة موسكو والكنيسة القبطيّة على سائر المنصّات الدوليّة، بما في ذلك مجلس الكنائس العالميّ. ومن الأمثلة البارزة على هذا النوع من التعاون الدورة العامّة الحادية عشرة لمجلس الكنائس العالميّ، التي عُقدت في الفترة ما بين 31 آب إلى 8 أيلول لعام 2022، حيث استنكر خلالها ممثّلو الكنيسة القبطيّة الهجمات التي لا أساس لها على الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة ومحاولات فرض تدابير تمييزيّة ضدّها.
وأشار المطران ديونيسيوس في كلمته، أيضاً، إلى الحقيقة أنّه: "من الملاحظ، اليوم، المزيد من الميول الخطرة لفرض رؤية مختلفة على العالم لمبادئ الأخلاق، لتبرير الاضطهاد الدينيّ وحتّى من لاستفزازه. وإحدى أدوات هذه الهجمات هي محاولات زرع التفرقة والانقسام بين المسيحيّين، وحرمانهم من فرح الشركة الأخويّة، ومن فرصة إعلان حقيقة الله على الأرض بفم واحد. لا يمكن أن نحارب هذا إلّا من خلال الحفاظ على وحدتنا وتعزيزها، من خلال تضافر القوى للدفاع عن الأخلاق والتراث الروحيّ والثقافي، والحقّ في رؤية مستقلّة للأحداث التي تجري في العالم.
وفي نهاية اللقاء تبادل المشاركون الهدايا التذكاريّة.
شارك في اللقاء من طرف بطريركيّة موسكو كلّ أعضاء الوفد الرهبانيّ من الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، الذين وصلوا مع المطران ديونيسيوس إلى مصر بالإضافة إلى المسؤول عن رعايا الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في مصر الأب أليكسي (ماشكوف).
ومن طرف الكنيسة القبطيّة، شارك سكرتير قداسته الأب كيريلس الأنبا بيشوي، وممثّل الكنيسة القبطيّة في روسيا الأب داود الأنطوني، والمستشار البطريركيّ الدكتور أنطون ميلاد، ورئيس الدائرة البطريركيّة لتنفيذ مشاريع كنسيّة السيّدة بربارة سليمان وموظّفون آخرون من البطريركيّة القبطيّة.
بعد انتهاء اللقاء، زار المطران ديونيسيوس والوفد المرافق له كاتدرائيّة القدّيس الرسول مرقس الإنجيليّ الواقعة ضمن أراضي المقرّ البطريركيّ حيث تبرّكوا من ذخائر المؤسّس الكنيسة القبطيّة، وكذلك ذخائر القدّيس أثناسيوس الإسكندريّ.
كما زار الوفد الرهبانيّ كاتدرائيّة القدّيسين الرسولين بطرس وبولس، الواقعة، أيضاً، على أراضي البطريركيّة القبطيّة، وتعرّف على المعرض المتحفيّ المخصّص لشهداء الكنيسة القبطيّة الجدد.
في نفس اليوم، زار الضيوف الروس المركز المسيحيّ القديم في القاهرة - كنيسة الشهيدين سرجيوس وباخوس، حيث توجد مغارة كانت قد توقّفت فيها العائلة المقدّسة، والكنيسة المعلّقة التي تم بنائها هناك لاحقا، وكنيسة الشهيدة القدّيسة بربارة، ودير القدّيس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللّابس الظفر والمتحف القبطيّ.