قداسة البطريرك كيريل يلتقي بطريرك وكاثوليكوس كنيسة المشرق الآشوريّة
دائرة الاتّصالات في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو، 16/11/22
في الخامس عشر من تشرين الثاني الجاري التقى قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا مع بطريرك وكاثوليكوس كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثالث في المقرّ البطريركيّ في دير "دانيلوف".
شارك في اللقاء أعضاء وفد كنيسة المشرق الآشوريّة المرافقين لقداسته في هذه الزيارة وهم: الأسقف مار أفرم أتنيل مطران أبرشيّة سوريا، والأسقف مار نرساي بنيامين مطران أبرشيّة إيران وأرمينيا وجورجيا، والأسقف مار عبريس الطيّاري الوكيل البطريركيّ في أربيل، والأسقف صامانو أديشو ممثّل كنيسة المشرق الآشوريّة في روسيا، والأب أفرام المساعد الشخصيّ للبطريرك مار آوا الثالث، والأب نكوديم يوخنايف كاهن من أبرشيّة إيران وأرمينيا وجورجيا، والأب بطرس بافلوف راعي كنيسة المشرق الآشوريّة في كراسنودار (روسيا)، بالإضافة إلى الطالب في أكاديميّة موسكو اللاهوتيّة وكاهن أبرشيّة إيران وأرمينيا وجورجيا الأب أضاي نازلو وممثّل جالية موسكو الآشوريّة والعضو والمستشار في لجنة الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة الشمّاس رولانض بيجاموف.
وشارك من طرف الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة: رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في البطريركيّة الأسقف كليمنضوس وهو، في الوقت عينه، مطران أبرشيّة "كراسنايا سلوبودا" ورئيس مشترك للجنة الحوار مع الكنيسة الآشوريّة، الأب إستيفان (إيغومنوف) مدير سكرتارية العلاقات بين المسيحيّين في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو، والشمّاس بطرس أخمدخانوف موظف السكرتارية.
رحّب قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا بالبطريرك والكاثوليكوس مار آوا الثالث قائلاً: "لقد سبق لكم أن زرتم روسيا سابقاً، لكنّكم تزورون كنيستنا، اليوم لأوّل مرّة، كرئيس كنيسة المشرق الآشوريّة. ففي العام 2014 رافقتم المثلَّث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع أثناء زيارته إلى موسكو، غير أنّ زيارتكم الحاليّة وأنتم في منصبكم الجديد تتّسم بطابع الاهتمام الخاصّ للعلاقات بين كنيستينا".
ولاحظ صاحب القداسة البطريرك كيريل أنّ العلاقات بين الشعبين الروسيّ والآشوريّ تمتدّ جذورها عميقاً في التاريخ، فقال:
"لقد حدث أن وجد الآلاف من الآشوريّين أنفسهم على أراضي روسيا بسبب أحداث مأساوية وصعبة، وتغلغلوا عضويّاً، دون صراع ولا تشنّج بل بسلام، في حياة بلدنا. نعلم جيّداً عن مشاركة الآشوريّين لروسيا في الحرب العالميّة الأولى وفي الجيش الأحمر في حربنا ضدّ الفاشيّة. يشهد التفاعل السلميّ والحياة المشتركة بين الروس والآشوريّين في روسيا على التقارب الروحيّ بين شعبينا. وفي الآونة الأخيرة، أقيمت علاقات جيّدة بين كنيستينا، والتي تظهر، من بين أمور أخرى، في التفاعل في المحافل الدوليّة. لقد رأينا في شخصكم صديقاً يشابهنا التفكير من نواح كثيرة، كما واتّضح لنا أنّها الكنيسة التي من المفيد دائماً التفاعل والتعاون معها".
وقد أشار بطريرك موسكو إلى تطوّر العلاقات بين الكنيستين في المجال الأكاديمي، فقال: "يتعلّم في المعاهد اللّاهوتيّة لكنيستنا طالبان من كنيستكم، ونحن مستعدّون لدعم كافّة الطلّاب لكي يتلّقوا التعليم اللّاهوتيّ ذا المستوى الجيّد في روسيا. وبالنسبة إلى المعاهد اللّاهوتيّة، فمن الممكن أن تُعقد ندوات علميّة مختلفة تهدف إلى التعرف على حياة كنيستينا وتنظيم التعاون فيما بيننا. منذ يومين عُقد مثل هذا المؤتمر في دير موسكو "سريتينسكي"، عالمين، حقّ العلم، مقدار إمكانيّة مشاركتكم الفعّالة فيه".
وأشار البطريرك كيريل أيضاً، إلى أنّه من الممكن أن يستمرّ التفاعل بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وكنيسة المشرق الأشورية في سياق الاتّصالات الثنائيّة وعلى الساحة الدولية قائلاً: "أودّ أن أؤكّد بأنّ الجوّ الإيجابيّ لتفاعلنا وتعاوننا، بما في ذلك على منصّات المنظَّمات الدوليّة، أصبح الآن إيجابياً، ويستطيع أن يقوم بدور أساس في حوارنا مع العالم البروتستانتيّ والكاثوليكيّ".
ولاحظ رئيس الكنيسة الروسيّة أن العلاقات الودّيّة بين بطريركيّة موسكو وكنيسة المشرق الآشورّية لها أهمّيّة خاصّة في هذا الوقت العصيب للعالم أجمع، فقال في هذا الصدد: "أودّ، أيضاً، أن أتطرّق إلى بعض الظروف المحزنة بالنسبة لنا فيما يتعلّق بالأحداث التي تجري اليوم على أراضي كنيستنا، وللتحدّث عن الوضع الحاليّ في منطقة "دونباس"، التي يعيش فيها بعض السكّان الآشوريّين أيضاً، ومن الواضح أنّ هذا الصراع له أسبابه السياسيّة". وبحسب ظنّ قداسته، تتعمّد بعض القوّات السياسيّة في الغرب، والتي اتّخذت موقفاً راديكاليّاً مناهضاً لروسيا، إلى عرقلة أنشطة بطريركيّة موسكو على المستوى الدوليّ، وحرمانها من حقّ التصويت ومن فرصة الشهادة في العالم.
فمنذ شهرين، وخلال مؤتمر مجلس الكنائس العالميّ، حاول الرئيس الألمانيّ شتاينماير أن يضغط على وفد كنيستنا وعلى أعضاء المجلس المشاركين في المؤتمر. إنّه تدخّل سافر، إذ لم يسبق للسلطات العلمانيّة أن تدخّلت في حياة المنظَّمات الكنسيّة. لقد قبلت موقف أعضاء المؤتمر بتفهّم وامتنان لكونهم لم يوافقوا على مقترحات السيّد شتاينماير، الذي لم ينجح في محاولات الضغط على المجلس والتمييز الصارخ ضدّ الكنيسة الروسيّة. وأمّا الآن، فقد اتّخذ قراراً لم يسبق له مثيل وهو عدم السماح للبطريرك الروسيّ بدخول أراضي الاتّحاد الأوروبي. لم يكن هذا هو الحال حتى خلال الحرب الباردة، لذلك أتساءل: لماذا؟ إذا كانوا هم على حقّ وأنا المخطئ، فليدعوني إلى مقابلة تلفزيونيّة لنتحاور ويثبتوا مصداقيّة قضيتهم. إنّهم خائفون من هذا، لأنّ الحقّ إلى جانبنا، وموقفهم ضعيف، بشكل عام، لأنّ موقف التهميش يكون ضعيفاً دائماً. وأمّا نحن، فمنفتحون على التواصل مع الذين يحبّوننا والذين لا يحبّوننا".
وأشار قداسة البطريرك كيريل، بأسف، إلى أنّ كنيسة المشرق الآشوريّة، التي يقع مركزها الروحيّ والتاريخيّ على أراضي بلاد ما بين النهرين القديمة، لا تزال واحدة من أكثر المجتمعات المسيحيّة معاناة في العالم، مذكّراً بزيارته إلى العراق في العام 2002. ففي زيارته هذه للكنائس والأديرة، رأى الحياة السلميّة والآمنة للشعب الآشوري، فقال في هذا الصدد: "لقد شاهدت وفهمت كيف توفّرت ظروف كافية، أنئذ، في العراق للتعايش السلميّ بين المسيحيّين والمسلمين، لهذا فإن الألم يعصر قلبي على كلّ المشاكل الموجودة في العراق. نحن نعلم أنّ الكثير من المسيحيّين غادروا العراق، والذين بقوا على أرض أجدادهم لا يعيشون دائماً في ظروف سلميّة".
ومع ذلك، أشار البطريرك كيريل إلى أنّ بطريركيّة موسكو تتطلّع إلى بعض التغييرات الحسنة التي حدثت في السنوات الأخيرة بما في ذلك في شمال العراق، حيث أنّ بطريركيّة كنيسة المشرق الآشوريّة عادت إلى مقرها الاصلي في العام 2015، فقال قداسته: "إنّنا نصلّي ومستعدّون للعمل معكم لضمان استمرار تعزيز السلام والهدوء في أرض العراق، وأنّ تتطوّر حياة كنيستكم تحت ظلّ الأمان والهدوء".
وتكلّم قداسة البطريرك كيريل عن أنشطة لجنة الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة، معبّراً عن امتنانه للبطريرك مار آوا الثالث الذي كان رئيساً لها قبل تنصيبه بطريركاً وللأسقف كليمنضوس على أعماله المبذولة في هذا المجال.
وخصّ رئيس الكنيسة الروسيّة بالذكر وجود كنيسة المشرق الآشوريّة في روسيا، مقدّراً أنشطة راعي كنيسة مريم العذراء الآشوريّة في موسكو، والذي يتعاون مع قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو، وبفضل ذلك أقام مجتمع الكنيسة الآشوريّة أفضل العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة.
وفي الختام، أعرب قداسة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا عن أمله في استمرار العلاقات الأخويّة التي تربط بطريركيّة موسكو وكنيسة المشرق الآشوريّة لصالح الكنيستين والشعبين.
وبدوره، شكر رئيس كنيسة المشرق الآشوريّة بطريرك موسكو وسائر روسيا على استقباله الحارّ، سائلاً له معونة الربّ في خدمته البطريركيّة، وقال: "نذكركم في صلواتنا أمام الربّ، غير ناسين أعمالكم الصالحة وإيمانكم الحيّ ومحبّتكم العارمة للربّ يسوع المسيح مع صبركم الشديد ".
هذا وتابع البطريرك والكاثوليكوس مار آوا: "إنّ الغرض من لقائنا معكم اليوم، يا صاحب القداسة، هو تعزيز الروابط القائمة بين كنيستينا. ليست هذه هي المرّة الأولى التي يتواصل فيها شعبانا وكنيستانا ويلتقيا مع بعضها البعض. منذ أكثر من قرن مضى، كانت لدينا بالفعل اتّصالات على مستوى الكنيسة مع البعثة الأرثوذكسيّة الروسيّة في أورميا. لذلك، نلتقي الآن كجيران وإخوة متآلفة منذ عقود عديدة.
وخصّ بالذكر قداسة البطريرك مار آوا الثالث لقاء بطريرك موسكو وسائر روسيا مع المثلَّث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع في أيّار العام 2014، والذي أصبح أساساً للمناقشات اللّاهوتيّة بين الكنيستين. وبحسب ما قاله رئيس الكنيسة الآشورية، بعد ذلك الاجتماع، أخذت العلاقات الثنائيّة بين الكنيستين تتطوّر بنجاح. والأمر الأكثر أهمّيّة هو تشكيل لجنة حوار بين الكنيسة الروسية الأرثوذكسيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة.
وقال رئيس كنيسة المشرق الآشوريّة: "اليوم، أودّ أن أتذكّر بفرح العمل الذي كنت أقوم به في هذه اللجنة، وكذلك أعمال الأسقف كليمانضوس، الذي كان معي رئيساً مشاركاً لهذه اللجنة. لقد تعاملنا بروح المحبّة المسيحيّة والتفاهم المتبادل الكبير. كما لا يسعني إلّا أن أشير إلى العمل الرائع الذي يقوم به الأب إستيفان (إيغومينوف). أودّ أن أعرب عن امتناني لكلّ من عمل ويعمل في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو. يسعدنا كذلك أن نرى صاحب السيادة المطران أنطونيوس. ليكن عملنا دائماً بروح المحبّة الأخويّة.
كما وألمح الكاثوليكوس والبطريرك مار آوا الثالث إلى بيان مجمع كنيسة المشرق الآشوريّة وخاصّةً إلى تعيين رئيسٍ مشتركٍ جديد للجنة الحوار بين الكنيستين وهو أسقف بغداد المطران إيليا (طمراس). ثمّ أضاف: "نيابة عن أعضاء المجمع المقدّس، نعد بأنّنا سندعم عمل هذه اللجنة بكلّ وسيلة ممكنة من أجل تحقيق أهدافها. ونعبّر عن شكرنا لقداستكم على الدعم الذي تظهرونه، في هذه الأيّام، لمسيحيّي الشرق الأوسط ومساعدتهم".
وقال الكاثوليكوس بطريرك كنيسة المشرق الآشورية إنّ الوضع في العراق، والذي تطوّر منذ العام 2003، كان له عواقب وخيمة على الوجود المسيحيّ في هذا البلد. حيث أنه منذ العام 2003، تصاعد اضطهاد المسيحيّين واشتدّ العداء تجاههم، كما وتفاقمت الخلافات بين المسيحيّين والمسلمين. ووصل الوضع إلى نقطة ظهور تنظيم داعش الإرهابيّ، الأمر الذي وجّه ضربة مروّعة للمسيحيّين في كلّ من سوريا والعراق. كانت هذه المنظّمة تخطّط لتدمير جميع المسيحيّين الآشوريين باعتبارهم السكّان الأصليّين للعراق. في العام 2014، تمّ تدمير الكنائس في الموصل في سهل نينوى، وطُرد شعبنا الذي عاش على هذه الأرض لقرون عديدة. وفي العام 2015 طُرد الآشوريّون من منطقة نهر الخابور شمال شرق سوريا، وأُخذوا رهائن. الحمد لله انّ أغلبهم اُطلق سراحهم، لكنّ بعضهم استشهدوا كشهداء. تتعرّض المسيحيّة في العراق لخطر الزوال، فقد انخفض عددهم بمقدار مليون ونصف".
هذا وقد أضاف قداسته: "كمسيحيين، نرغب في العيش بسلام مع جميع جيراننا دون تمييز في الإيمان. لكن، في الوقت نفسه، نطالب بحقوقنا كمسيحيّين، والتي تتمثّل، بشكل أساسيّ، في الاعتراف بإيماننا، علاوة على الحقوق العامة وحقوق الملكيّة المذكورة في دساتير وقوانين بلدان الإقامة. ومرّة أخرى، نشكر قداستكم على استغلال سائر الفرص التي لدى بطريركيّة موسكو لتذكير حكومات العالم والعالم بأسره بهذه المسؤوليّة".
وفي ختام اللقاء، أعرب رئيس كنيسة المشرق الآشوريّة وأعضاء الوفد لقداسة البطريرك كيريل وموظّفي بطريركيّة موسكو على الضيافة الطيّبة والمحبّة والدعم قائلاً: "نرفع صلاتنا إلى الربّ ليهب لكم بركته في سائر الأوقات ولتساعدكم رحمته في هذه الأيّام العصيبة، وليبارك خدمتكم الرسوليّة كرئيس الكنيسة الروسيّة، لتهتمّوا بالرعيّة المُوكلة إليكم".
استمرت المحادثة بروح الأخوّة لرئيسي الكنيستين ومرافيقيهما خلال حفل الاستقبال الذي أقامه قداسة البطريرك كيريل على شرف الضيف العزيز.
الصور مأخوذة من المكتب الصحفيّ لقداسة بطريرك موسكو وسائر روسيا.