سيادة المتروبوليت هيلاريون: "لا شيء يجعلنا فرحين أكثر من الحياة مع الله"
أقام سيادة المتروبوليت هيلاريون متروبوليت فولوكولامسك رئيس قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركية موسكو القداس الإلهي بمناسبة أحد الشعانين في كنيسة السيدة العذراء بمنطقة بولشايا أورضينكا (موسكو)، شارك في القداس الإلهي كهنة الرعية والمؤمنين، ورُفعت الطلبات على نية وقف انتشار وباء كورونا.
ألقى سيادته العظة الروحيّة التالية:
"باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.
أحد الشعانين نسمع فيه دعوة القديس بولس الرسول الموجّهة إلى كلٍ منّا " إفرحوا في الربّ كل حينٍ وأقول أيضاً افرحوا" (في 4:4).
لماذا نسمع مثل هذه الكلمات من القديس بولس، بعد أن انهينا فترة الصوم الكبير وبدأنا الأسبوع العظيم؟
أولاً: لأن العيد الذي نحتفل فيه اليوم هو احتفال بَهج، مع إنّه يسبق الأسبوع العظيم ذا الطابع الحزين، ولكن تدعونا الكنيسة أن نمجّد ونسبّح ونبتهج بالمسيح مع تلاميذه ومع الأولاد والشيوخ الذين استقبلوه عند دخوله المدينة المقدّسة راكباً على ابن أتان، ونشكر الله أنّه لدينا ملك وديع ومتواضع القلب أتى إلى العالم كي يهبنا الحياة الأبديّة.
ثانياً: يدعونا القديس بولس للفرح ليس فقط في هذا اليوم، بل في جميع أيام حياتنا. هذه الدعوة لم تكن بشكل عشوائيّ بل موجودة في الكتاب المقدّس عدة مرات "افرحوا دائماً" "افرحوا دائماً بالربّ"، أي أنّ مشاعر الفرح والامتنان يجب أن يتصف بها الشخص المسيحي دائماً سواءً في أيّام الأسبوع العظيم أو في أيّام الصعوبات والتجارب والأيام القاسيّة والأمراض والأحزان التي يواجهها كل إنسان في حياته.
يدعونا الرسول بولس أن نفرح ليس بفرح دنيويّ، لأنّ في جوهره سعادة عابرة ومصدرها الثروة الماديّة أو الانجاز الدنيوي، كل هذه سعادة تأتي وتمر سريعاً، لا تستطيع أن تلمس روح الانسان، لأنّها مهما كانت مدتها فسوف تأتي الأحزان والتجارب، أي بمعنى مهما حاول الانسان أن يكون سعيداً عبر الحفلات أو المخدرات أو غيرها من الوسائل الدنيويّة فسوف يذهب مفعولها ويأتي وقت الحزن والكآبة. مهما حاول الإنسان أن يكرس حياته للكسب الماديّ سيطمع بالأكثر والأكثر. ليس هناك أي فرح يأتينا من الثروة الماديّة وامتلاكها.
يدعونا القديس بولس أن نمتلك الفرح النابع من قلوبنا الذي لا يعتمد على أي ثروة ماديّة ولا على ظروف خارجيّة. هذا الفرح مثل البذرة التي تنمو داخل قلب الإنسان الذي يحيا بشكر مع الله من خلال سر الإفخارستيّا ويضع كل حياته للمسيح ويعيش سر حضور المسيح الحقيقي.
للأسف، هناك أشخاص كُثر لا يعرفون هذا الشعور وهذا الفرح الحقيقي، بل يعتقدون أنّ رسالة الكنيسة تقيّد حريتهم وحرمانهم من الفرح والحياة كما يشاؤون. أصحاب هذا الفكر خلقوا نوع من أيديولوجية كراهيّة الأديان، وكراهيّة المسيحيّة والكنيسة. يقومون بتأليف الكتب والظهور على شاشات التلفزة من أجل تنظيم حملات ضد الكنيسة وضد الله وضد الدين بشكل عام. كل ذلك في زعمهم من أجل تحرير البشر وجعلهم فرحين.
نعم، لا يوجد فرح أكبر من فرح الحياة مع الله. ولا توجد تعاسة أكبر من جهل الله. بعض الأشخاص الذين لا يعرفون الله يحسبون أنفسهم سعداء، هذا خطأ ولكنهم لا يدركونه إلا عند مواجهة المصاعب والمشاكل في حياتهم.
لهذا السبب كثيراً ما نرى الأشخاص الذين يعيشون دون مصاعب لا يفكّرون بالله ولا بالكنيسة، ولكن عندما تحدث صعوبة أو تنزل كارثة بأحد الأقارب يتغيّر كل شيئ ويبدأ التفكير بالله والتساؤل عن معنى الحياة وهدفها.
تقودنا الكنيسة المقدّسة بالطريق الذي يجعلنا فرحين في هذه الحياة وتَعِدنا بالفرح الأبدي. ونحن نسلك بهذا الطريق خلال الصوم الكبير وأيام الأسبوع العظيم وفترة بعد الفصح المقدّس وخلال كل أيام حياتنا.
جميع القديسين يملأهم بفرح القيامة دائماً وليس فقط في عيد الفصح. نعرف أنّ القديس سيرافيم ساروف يرحب بجميع الاشخاص بقوله: "يا فرحي المسيح قام" في كل أوقات السنة، كان مصدراً للفرح رغم حياته البسيطة المنعزلة وأصوامه الكثيرة واكتفائه بالأكل البسيط وعدم حضوره أي حفلات. أنار الله قلبه وعزّاه في الأحزان وتحدّث معه في الصلوات وملأ قلبه بالفرح العظيم وهو بدوره نقله إلى الأخرين.
في هذا اليوم العظيم لنعظّم ونمجّد ربّنا يسوع المسيح الذي أتى إلى العالم ليخلص الجنس البشري من الخطيئة والموت، ولنكن معه في أيام الاسبوع العظيم المقبل التي عاشها في آخر أيام حياته الأرضيّة.
في السنة الماضيّة الكثير منكم لم يتمكن من الحضور إلى الكنائس في صلوات الأسبوع العظيم. فتمّ الاكتفاء بالمشاركة والصلاة من خلال مشاهدة البث المباشر للصلوات عبر الأنترنت. أمّا في هذه السنة سمح لنا الربّ أن نجتمع في الكنيسة مع بعضنا البعض لكي نمجّد الله الذي أتى إلى الآلام الطوعيّة لأجل خلاصنا.
لنكسب هذه الفرصة ولا نتغيب عن صلوات الأسبوع العظيم، التي نقيمها مرة واحدة في السنة، ونختبر من خلالها آخر أيّام وساعات ودقائق حياة ربّنا يسوع المسيح على الأرض، فنكون معه في محكمة بيلاطس البنطي، ونكون مع النسوة حاملات الطيب عند الصليب، ولنشارك في جنازه مع والدة الإله الكلية الطهارة مريم وبعض التلاميذ. بالطبع لكي نحتفل بعيد الفصح المجيد مع كل العالم الأرثوذكسي ونفرح ونبتهج بهجةً وسروراً كما قال الربّ: "لا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16:22). آمين.
كل عام وأنتم بخير؛ شعانين مبارك.
دائرة الاتصالات في قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة